گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد اول
الإیمان بالقدر خیره و شرّه







الإیمان بالقدر خیره و شرّه
هذا هو الأصل الثالث الذي اتّفقت علیه کلمات أهل الحدیث. القدر کما ذکره بعض أئمّۀ اللغۀ. حدّ کلّ شیء ومقداره. والقضاء
بمعنی الحکم البات، قال سبحانه: (إِنّا کَّلّ شَیء خَلَقْناهُ بِقَدَر) ( 1) وقال تعالی: (وَقَضی رَبُّکَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّإِیّاهُ) .( 2) وعلی هذا فالقدر
فی الأشیاء، هو تحدید وجود الشیء والقضاء هو إبرامه، ویؤید ذلک ما روي عن بعض أئمّۀ أهل البیت علیهم السَّلام : القدر هو
الهندسۀ ووضع الحدود فی البقاء والفناء، والقضاء هو الإبرام وإقامۀ العین.( 3) القول بالقضاء والقدر علی نحو الإجمال من العقائد
صفحۀ 100 من 154
الإسلامیۀ التی لا یصحّ لمسلم إنکارها،ولو کان هناك اختلاف فإنّما هو فی تفسیرهما وأنّه هل القضاء والقدر بمعنی التقدیر والحتم
علی أفعال الإنسان وخلقها بلا إرادة واختیار منه، وأنّه فی مسرح الحیاة مکتوف الیدین فیما کتب وقدر علیه حتی فیما یتعلّق بالتکالیف
(الحلال والحرام) أو أنّه بمعنی علمه السابق، علی وجود الأشیاء وتقدیره وتحدیده والحکم بوجودها علی وجه لا ینافی اختیار العبد
وحریته من
. 1 . القمر: 49
. 2 . الإسراء: 23
( 235 ) .1/ 3 . الکافی: 158
الأساس. وإن شئت قلت: ثبوت الأمر الجاري فی العلم الأزلی الإلهی مع إعطاء القدرة علی الفعل والترك وتعریف الخیر والشر، وبیان
عاقبۀ الأوّل ومغبۀ الأخیر، فهذا العلم السابق لا یستلزم جبراً، وعلمه سبحانه بمقادیر ما یختاره العباد من النجدین وما یأتون به من العمل
من خیر أو شر لا ینافی التکلیف، کما لا سببیۀ له فی اختیار المکلّفین ولا یقبح معه عقلًا، العقاب علی المعصیۀ ولا یسقط معه الثواب
علی الطاعۀ. أمّا سبق علمه سبحانه علی خصوصیات الفعل وتحقّقه وعدمه، فیکفی فی ذلک قوله سبحانه: (ما أَصابَ مِنْ مُصیبَۀ فِی
الَأرْضِ وَلا فِی أَنْفُسِکُمْ إِلاّ فِی کِتاب مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِکَ عَلی اللّه یَسیر). ( 1) وقوله سبحانه: (وَکُلّ شَیء فَعَلُوهُ فِی الزُّبُر* وَکلُّ
صَغیروَکَبِیر مُسْتَطَر).( 2) وقال عزّ من قائل: (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لینَۀ أَوْ تَرَکْتُمُوها قائِمَۀً عَلی أُصولِها فَبِإِذنِ اللّه) .( 3) و أمّا کون القدر والقضاء
لا ینافی التکلیف، فیکفی قوله سبحانه:(إِنّا هَدَیْناهُ السَّبیلَ إِمّا شاکِراً وَإِمّا کَفُوراً) ( 4) وقوله سبحانه: (وَهَدَیْناهُ النَّجْدَین).( 5) وقوله
سبحانه: (وَمَنْ یَشْکرْ فَإِنّما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِیٌّ حَمید).( 6) فاللّه سبحانه خلق الإنسان مزیجاً من العقل والنفس مع خلق
عوامل النجاح تجاه النفس الأمّارة بالسوء، فمن عامل بالطاعۀ بحسن اختیاره، ومن مقترف للمعصیۀ بسوء الخیرة. وتدلّ علی ذلک
الآیات التالیۀ: (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِ دٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَیرات). ( 7) (فَمَنِ اهْتَدي فَإِنّما یَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِ لُّ
عَلَیْها). ( 8) (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ
. 1 . الحدید: 22
. 2 . القمر: 52 53
. 3 . الحشر: 5
. 4 . الإنسان: 3
. 5 . البلد: 10
. 6 . لقمان: 12
. 7 . فاطر: 32
236 ) وَمَنْ أَساءَ فَعَلَیْها ثُمَّ إِلی رَبِّکُمْ تُرْجَعُون) .( 1) (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِیَ فَعَلیْها). ( 2) (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ ) . 8 . یونس: 108
( لَأنْفُسِکُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) .( 3
إلی غیر ذلک من الآیات التی تنصّ علی حریۀ الإنسان فی اختیاره خصوصاً فیما یرجع إلی الطاعۀ والمعصیۀ. إلی هنا خرجنا بهذه
4) و فی ضوء ذلک نعتقد بأنّه سبحانه )« یعلم ما فی السماء والأرض إنّ ذلک فی کتاب إنّ ذلک علی اللّه یسیر » النتیجۀ: إنّه سبحانه
یعلم أعمارنا وأرزاقنا وما یجري فی حیاتنا من الأحداث، وما نقوم به من الأفعال کما یعلم مواعید وفاتنا والکلّ موجود فی (کتاب
مُبِین) .( 5) لکن علمه السابق بما یجري فی صحیفۀ الکون لا یجعل الإنسان مکتوف الید أمام الملابسات التی حوله ولا یصیره
کالریشۀ فی مهب الریح، بل هو فی الکون محکوم من جهۀ ومختار من جهۀ أُخري، محکوم بالسنن العامۀ السائدة علی الکون والحیاة
ولا یمکن الخروج عنها، مختار فی ما تتعلق به إرادته وفی موقفه من الملابسات التی حوله. فالنوازل والمصائب والحروب الطاحنۀ
صفحۀ 101 من 154
تنتابه، شاء أم لم یشأ والموت یدمّر حیاته وکیانه والسموم القتالۀ تهلکه والجراثیم الضاریۀ تنحرف بها صحته، ولکنّه غیر مسؤول أمام
هذه الأُمور الخارجۀ عن اختیاره، ولکنّه أمام نعمه سبحانه والإمکانیات التی حوله أمام خیارین: فله أن یستفید منها بما یمد حیاته فی
الدنیا ویسعده فی الآخرة کما أنّ له خلاف ذلک. فلو قلنا: الإنسان مخیَّر لا مسیّّر، فإنّما
. 1 . الجاثیۀ: 15
. 2 . الأنعام: 104
. 3 . الإسراء: 7
.( 4 . اقتباس من قوله سبحانه: (ألم تعلم أنّ اللّه یعلم ما فی السماء...) (الحج: 70
5 . إشارة إلی قوله سبحانه: (وَیَعْلَمُ ما فی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَۀ إِلاّ یَعْلَمُها وَلا حَبّۀ فی ظُلُماتِ الَأرْضِ وَلا رَطْب وَلا یابِس اِلاّ
( 237 ) .( فی کِتاب مُبین) (الأنعام: 59
نرید هذا الجانب الثانی، ولو قیل إنّه مسیّر لا مخیّر، فلابدّ أن یراد منه الجانب الأوّل. ثمّ إنّ فی الذکر الحکیم آیات ودلالات
وتصریحات علی کون الإنسان مخیراً، وهی علی حدّ لا یمکن جمعها فی مقام واحد. یقول اللّه لِکلِّ بشر علی ظهر الأرض:(فَأَقِمْ
وَجْهَکَ لِلدِّینِ القَیِّمِ مِنْ قَبل أَنْ یَأْتِیَ یَومٌ لا مَردَّ لَهُ مِنَ اللّهِ یَومَئِذ یَصَّدّعُون* مَنْ کَفَرَ فَعَلَیْهِ کُفرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلأَنْفُسِهِمْ
یَمْهَدُون) ( 1) ، فهل ربط الجزاء بالعمل هنا من قبیل المزاح أو الخدیعۀ؟ وعندما یصف ربّنا جزاء الکذبۀ والمکّ ذبین ویبیّن عقبی
عملهم ویقول: (فَلَنُذیقَنَّ الّذِینَ کَفَرُوا عَذاباً شَدیداً وَلَنَجزِیَنَّهُمْ أَسوأ الَّذي کانُوا یَعْمَلُونَ* ذلِکَ جَزاءُ أَعْداءاللّه النّار لَهُمْ فِیها دارُ الخُلْد
جَزاءً بِما کانُوا بِ آیاتِنا یَجْحَ دُون) ( 2) هل هذا الربط المتکرر بین العمل والجزاء؟ وهل هذه النقمۀ المحسوسۀ علی المجرمین تومئ
من قرب أو بعد إلی أنّ القوم کانوا أهل خیر فلوي زمامهم قدر سابق أو کتاب ماحق؟ ما أقبح هذا الفهم! فی یوم الحساب یحصد
الناس ما زرعوا لأنفسهم. والقرآن حریص کلّ الحرص علی إعلان هذه الحقیقۀ وهی أنّک واجد ما قدمت لن تؤخذ أبداً بشیء لم
تصنعه، لم تغلب علی إرادتک یوماً فیحسب علیک ما لم تشأ. إنّ المغلوب علی عقله أو قصده لا یؤاخذ أبداً بل إنّ التکلیف یسقط
عنه. وتدبر قوله تعالی: (أَلْقیا فی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفّار عَنِید* مَنّاع لِلْخَیْرِ مُعْتَد مُرِیب* الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللّه إِلهاً آخَرَ فَألقِیَاهُ فِی العَذابِ
الشَّدِید* قالَ قَرینُهُ رَبّنا ما أَطغیتُهُ ولکِن کَانَ فِی ضَلال بَعید) ( 3) ربّنا سبحانه و تعالی ینفی الظلم عن نفسه ویقول إنّه ما عذب إلاّ من
فرط وأساء.( 4)
. 1 . الروم: 43 44
. 2 . فصلت: 27 28
. 3 . ق: 24 27
( 4 . السنّۀ النبویۀ بین أهل الفقه وأهل الحدیث: 148 149 ، ولکلامه ذیل فراجعه. ( 238
وعلی ذلک فهنا أمران مسلّمان لا یصح لأحد إنکار واحد منهما: 1. إنّ للّه سبحانه علماً سابقاً علی کلّ شیء، ومنه أعمال العباد ویعبر
عنه بالقدر والتقدیر. 2. الإنسان مخیّر فی ما تتعلّق به إرادته ومحکوم فیما هو خارج عن إطار إرادته. وللمسلم الواعی الجمع بینهما
علی وجه صحیح، وسوف یوافیک بیان هذا الجمع عند البحث عن عقیدة الأشاعرة فی کون الإنسان مسیّراً لا مخیراً.( 1) وعلی ذلک
فالاعتقاد بالتقدیر والقضاء أمر لا یمکن لمسلم إنکاره کما أنّ حریۀ الإنسان فی مجال التکلیف مثله أیضاً، فإذاً ما هو الذي وقع مثاراً
للنقاش؟ فی النصف الثانی من القرن الأوّل بل قبله بقلیل أیضاً، انتشر القول بالقدر حتی فرق المسلمین إلی قولین: إلی قدري وجبري،
ولکن قد عرفت أنّ القدریۀ مع أنّها فی اللغۀ بمعنی مثبتۀ القدر یرادمنه فی المصطلح النافون للقدر. لابدّمن أن نقف ملیاً للتأمل فی
تشخیص النزاع بین الطرفین. فنقول: إنّ التأمّل فی عقائد بعض العرب فی الجاهلیۀ یوحی بأنّهم کانوا قائلین بالقدر ومثبتین له بشکل
یستنتجون منه سلب المسؤولیۀ عن أنفسهم وإلقاءها علی عاتق القدر. وهذا التفسیر کان رائجاً بینهم وإن لم یعم الجمیع، یقول
صفحۀ 102 من 154
سبحانه:(سَیَقُولُ الَّذِینَ أَشْرَکُوا لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَکْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَیء کَذلِکَ کَذَّبَ الَّذینَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّی ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ
هَلْ عِنْدَکُمْ مِنْ عِلْم فَتُخرجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تخرصُون).( 2)
.« القدر لا یلازم الجبر » 1 . لاحظ الجزء الثانی من هذه الموسوعۀ، وسیوافیک إجماله فی آخر هذا البحث عند القول بأنّ
( 239 ) . 2 . الأنعام: 148
ولعلّ قوله سبحانه: (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَ ۀً قالُوا وَجَ دْنا عَلَیْها آباءَنا وَاللّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللّهَ لا یَأْمُرُ بِالْفَحْشاء أَتَقُولُونَ عَلی اللّهِ ما لا
تَعْلَمُون) ( 1) یشیر إلی أنّهم کانوا یعتذرون بأنّ تقدیره سبحانه یلازم الجبر ونفی الاختیار،واللّه سبحانه یرد علی تلک المزعمۀ بهذا
القول. فقد بقیت هذه العقیدة الموروثۀ من العصر الجاهلی فی أذهان بعض الصحابۀ، فقد روي الواقدي فی مغازیه عن أُمّ الحارث
( الأنصاریۀ وهی تحدث عن فرار المسلمین یوم حنین قالت: مرّ بی عمر بن الخطاب(منهزماً) فقلت: ما هذا؟ فقال عمر: أمر اللّه.( 2
والعجب أنّ تلک العقیدة بقیت فی أذهان بعض الصحابۀ حتّی بعد رحلۀ النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم ، فهذا السیوطی ینقل عن
عبد اللّه بن عمر أنّه جاء رجل إلی أبی بکر فقال: أرأیت الزنی بقدر؟ قال:نعم، قال: فإنّ اللّه قدّره علی ثمّ یعذّبنی؟! قال: نعم یابن
اللخناء، أما واللّه لو کان عندي إنسان أمرته أن یجأ أنفک.( 3) لقد کان السائل فی حیرة من أمر القدر، فسأل الخلیفۀ عن کون الزنی
مقدّراً من اللّه أم لا؟ فلمّا أجاب الخلیفۀ بنعم، استغرب من ذلک لأنّ العقل لا یسوغ تقدیره سبحانه شیئاً بمعنی سلب الاختیار عن
الإنسان فی فعله أو ترکه ثمّ تعذیبه علیه، ولذلک قال: فإنّ اللّه قدره علی ثمّ یعذبنی؟ فعند ذاك أقرّه الخلیفۀ علی ما استغربه وقال:
نعم یابن اللخناء.
. 1 . الأعراف: 28
.3/ 2 . مغازي الواقدي: 904
240 ) استغلال الأمویین للقدر ) . 3 . تاریخ الخلفاء : 95
لقد اتّخذ الأمویون مسألۀ القدر أداة تبریریۀ لأعمالهم السیّئۀ، وکانوا ینسبون وضعهم الراهن بما فیه من شتی ضروب العیث والفساد
إلی القدر، قال أبو هلال العسکري: إنّ معاویۀ أوّل من زعم أنّ اللّه یرید أفعال العباد کلّها.( 1) ولأجل ذلک لمّا سألت أُمّ المؤمنین
عائشۀ، معاویۀ عن سبب تنصیب ولده یزید خلیفۀ علی رقاب المسلمین فأجابها: إن أمر یزید قضاء من القضاء ولیس للعباد الخیرة من
أمرهم.( 2) وبهذا أیضاً أجاب معاویۀ عبد اللّه بن عمر عندما استفسر من معاویۀ عن تنصیبه یزید بقوله: إنّی أُحذرك أن تشق عصا
المسلمین وتسعی فی تفریق ملئهم وأن تسفک دماءهم وإن أمر یزید قد کان قضاء من القضاء ولیس للعباد خیرة من أمرهم.( 3) وقد
کانت الحکومۀ الأمویۀ الجائرة متحمّسۀ علی تثبیت هذه الفکرة فی المجتمع الإسلامی، وکانت تواجه المخالف بالشتم والضرب
إنّ معاویۀ لم یکن یدعم ملکه بالقوة فحسب، ولکن ب :« نظریۀ الإمامۀ » والإبعاد. قال الدکتور أحمد محمود صبحی فی کتابه
آیدیولوجیۀ تمس العقیدة فی الصمیم، ولقد کان یعلن فی الناس أنّ الخلافۀ بینه و بین علی علیه السَّلام قد احتکما فیها إلی اللّه
فقضی اللّه له علی علی، وکذلک حین أراد أن یطلب البیعۀ لابنه یزید من أهل الحجاز أعلن أنّ اختیار یزید للخلافۀ کان قضاء من
القضاء ولیس للعباد خیرة فی أمرهم، وهکذا کاد أن یستقر فی أذهان المسلمین، أنّ کلّ ما یأمر به الخلیفۀ حتی و لو کانت طاعۀ اللّه
فی خلافه فهو قضاء من اللّه قد قدّر علی العباد.( 4)
.2/ 1 . الأوائل: 125
.1/ 2 . الإمامۀ والسیاسۀ : 167
. 1/ 3 . الإمامۀ والسیاسۀ : 171
( 241 ) . 4 . نظریۀ الإمامۀ: 334
وقد سري هذا الاعتذار إلی غیر الأمویین من الذین کانوا فی خدمۀ خلفائهم وأُمرائهم فهذا عمر بن سعد بن أبی وقاص قاتل الإمام
صفحۀ 103 من 154
الشهید الحسین علیه السَّلام لمّا اعترض علیه عبد اللّه بن مطیع العدوي بقوله: اخترت همذان والري علی قتل ابن عمک فقال عمر:
کانت أُمور قضیت من السماء، وقد أعذرت إلی ابن عمی قبل الوقعۀ فأبی إلاّما أبی.( 1) ویظهر أیضاً ممّا رواه الخطیب عن أبی قتادة
عندما ذکر قصۀ الخوارج فی النهروان لعائشۀ فقالت عائشۀ: ما یمنعنی ما بینی وبین علی أن أقول الحق سمعت النبی یقول: تفترق أُمّتی
علی فرقتین، تمرق بینهما فرقۀ محلقون رؤوسهم، مخفون شواربهم، أزرهم إلی أنصاف سوقهم، یقرأون القرآن لا یتجاوز تراقیهم،
یقتلهم أحبهم إلی، وأحبهم إلی اللّه. قال: فقلت: یا أُمّ المؤمنین فأنت تعلمین هذا فلم کان الذي منک؟! قالت: یا قتادة وکان أمر اللّه
2) وقد کان حماس الأمویین فی هذه المسألۀ إلی حدّ قد کبح ألسن الخطباء عن الإصحار بالحقیقۀ، ).« قدراً مقدوراً، وللقدر أسباب
فهذا الحسن البصري الذي کان من مشاهیر الخطباء ووجوه التابعین، وکان یسکت أمام أعمالهم الإجرامیۀ ولکن کان یخالفهم فی
القول بالقدر بالمعنی الذي کانت تعتمد علیه السلطۀ آنذاك. فلمّا خوّفه بعض أصدقائه من السلطان، وعد أن لا یعود. روي ابن سعد
فی طبقاته عن أیّوب قال: نازلت الحسن فی القدر غیر مرّة حتّی خوفته من السلطان ، فقال: لا أعود بعد الیوم.( 3) کیف وقد جلد
إنّ محمّد بن إسحاق اتّهم » : محمد بن إسحاق صاحب السیرة النبویۀ المعروفۀ فی مخالفته فی القدر. قال ابن حجر فی تهذیب التهذیب
بالقدر، وقال الزبیر عن الدراوردي: وجلد ابن إسحاق یعنی فی القدر.( 4)
.5/ 1 . طبقات ابن سعد: 148
.1/ 2 . تاریخ بغداد: 160
.7/ 3 . طبقات ابن سعد: 167
242 ) أحادیث مختلقۀ لا تفارق الجبر ) . 9 46 / 4 . تهذیب التهذیب: 38
وفی ظل هذا الإصرار علی القضاء والقدر بهذا المعنی نسجت أحادیث لا تفارق الجبر قید شعرة. وإلیک أمثلۀ منها: 1. روي مسلم فی
صحیحه عن زید بن وهب، عن عبد اللّه قال: حدّثنا رسول اللّه وهو الصادق أنّ أحدکم یجمع خلقه فی بطن أُمّه أربعین یوماً، ثمّ
یکون فی ذلک علقۀ مثل ذلک، ثمّ یکون فی ذلک مضغۀ مثل ذلک، ثمّ یرسل الملک فینفخ فیه الروح ویؤمر بأربع کلمات: بکتب
رزقه وأجله وعمله وشقی أو سعید، فوالذي لا إله غیره إنّ أحدکم لیعمل بعمل أهل الجنّۀ حتّی ما یکون بینه و بینها إلاّذراع، فیسبق
علیه الکتاب فیعمل بعمل أهل النار فیدخلها ;وإنّ أحدکم لیعمل بعمل أهل النار حتّی ما یکون بینه و بینها إلاّذراع، فیسبق علیه
یدخل » : 2. وروي عنه أیضاً حذیفۀ بن أسید یبلغ به النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم قال ( الکتاب فیعمل بعمل أهل الجنّۀ فیدخلها.( 1
الملک علی النطفۀ بعد ما تستقر فی الرحم بأربعین أو خمسۀ وأربعین لیلۀ فیقول: یا ربّ أشقی أو سعید؟ فیکتبان، فیقول: أي رب
3. قال:جاء سراقۀ بن مالک ( أذکر أو أنثی؟ فیکتبان، ویکتب عمله وأثره وأجله ورزقه، ثمّ تطوي الصحف فلا یزاد فیها ولا ینقص.( 2
بن جعشم قال: یا رسول اللّه بیّن لنا دیننا کأنّا خلقنا الآن فیما العمل الیوم، أفیما جفت به الأقلام وجرت به المقادیر أم فیما نستقبل؟
قال: لا بل فیما جفت به الأقلام وجرت به المقادیر، قال: ففیم العمل؟ قال: اعملوا فکلّ میسر لما خلق له وکل عامل بعمله.( 3) فبناء
علی الحدیث الأوّل لا یقدر الإنسان علی إضلال نفسه ولا هدایتها کما
8 کتاب القدر. / 1 . صحیح مسلم: 44
8 کتاب القدر. / 2 . صحیح مسلم: 45
( 243 ) .8/ 1 ;صحیح مسلم: 48 / 3 . جامع الأُصول: 516
لا یقدر علی أن یجعل نفسه من أهل الجنّۀ أو النار، فکلّما أراد من شیء یکون الکتاب السابق حائلًا بینه و بین إرادته. والحدیث الثانی
یدلّ علی أنّ الإنسان لا یقدر علی تغییر مصیره بالأعمال الصالحۀ والأدعیۀ والصدقات، وأنّ الکتاب الذي سبق، حاکم علی الإنسان فلا
یزاد ولا ینقص وهو یخالف النصوص الثابتۀ فی القرآن والسنّۀ من تغییر المصیر والزیادة والنقص علی المکتوب، بالأعمال الصالحۀ أو
الطالحۀ. إنّ تفسیر القضاء والقدر بهذا الشکل الذي یجعل الإنسان مکتوف الیدین فی بحر الحیاة ممّا ترغب عنه الفطرة السلیمۀ. إنّ
صفحۀ 104 من 154
هذه الأحادیث قد نسجت وفق المعتقدات السائدة للسلطۀ آنذاك حتی تبرر أنّ الوضع الاجتماعی آنذاك لا یمکن تغییره أبداً فإنّه
شیء قد فرغ منه. فالفقیر یجب أن یبقی هکذا، والغنی کذلک یبقی غنیاً، وهکذا المظلوم والظالم. تري أنّهم قد رووا عن عبد اللّه بن
بل فیما قد فرغ منه، یا ابن » : عمر، عن أبیه قال: یا رسول اللّه أرأیت ما نعمل فیه أمر مبتدع أو مبتدأ أو فیما قد فرغ منه؟ فقال
وفی روایۀ قال: .« الخطاب وکلّ میسر ;أمّا من کان من أهل السعادة فإنّه یعمل للسعادة، وأمّا من کان من أهل الشقاء فإنّه یعمل للشقاء
لما نزلت (فَمِنْهُمْ شَقیٌّ وَسَعیدٌ) ( 1) سألت رسول اللّه، فقلت: یا نبی اللّه فعلام نعمل، علی شیء قد فرغ منه، أو علی شیء لم یفرغ منه؟
2) وهذا الحدیث یعرب عن أنّه قد تم القضاء ).« بل علی شیء قد فرغ منه وجرت به الأقلام یا عمر! ولکن کلّ میسر لما خلق له » : قال
علی الناس فی الأزل وجعلهم صنفین وکل میسر لما خلق له، لا لما لم یخلق له، فأهل السعادة میسرون
. 1 . هود: 105
( 10 517 ، وفیه أخرجه الترمذي. ( 244 / 2 . جامع الأُصول: 516
للأعمال الصالحۀ فقط، وأهل الشقاء میّسرون للأعمال الطالحۀ فقط. وهذه المرویات فی الصحاح والمسانید و قد تقدّم بعضها ( 1) لا
تفترق عن الجبر وهی تناقض الأُصول المسلّمۀ العقلیۀ والنقلیۀ وحاشا رسول اللّه وخیرة أصحابه أن ینبسوا بها ببنت شفۀ وإنّما حیکت
علی منوال عقیدة السلطۀ، وعند ذلک لا تعجب ممّا یقوله أحمد بن حنبل فی رسائله: القدر خیره وشره وقلیله وکثیره وظاهره وباطنه
وحلوه ومرّه ومحبوبه ومکروهه وحسنه وسیّئه وأوّله وآخره من اللّه. قضاء قضاه، وقدر قدّره، لا یعدو أحد منهم مشیئۀ اللّه ولا یجاوز
قضاءه، بل کلّهم صائرون إلی ما خلقهم له، واقعون فیما قدر علیهم لأفعالهم وهو عدل منه عزّ ربّنا وجلّ. والزنی والسرقۀ وشرب الخمر
وقتل النفس وأکل المال الحرام والشرك باللّه والمعاصی کلّها بقضاء وقدر.( 2) وقد سري الجهل إلی أکثر المستشرقین فاستنتجوا من
من أعلام الکتاب فی الولایات المتحدة فی القرن التاسع « ایرفنج » هذه النصوص أنّ الإسلام مبنی علی القول بالجبر وفی ذلک یقول
عشر : القاعدة السادسۀ من قواعد العقیدة الإسلامیۀ هی الجبریۀ، وقد أقام محمد جلّ اعتماده علی هذه القاعدة لنجاج شؤونه الحربیۀ،
وهذا المذهب الذي یقرر أنّ الناس غیر قادرین بإرادتهم الحرة علی اجتناب الخطیئۀ أو النجاة من العقاب، ویعتبره بعض المسلمین
منافیاً لعدل اللّه، فقد تکونت عدّة فرق جاهدت وهم لا یعتبرون من أهل السنّۀ.( 3) هذا غیض من فیض ممّا یمکن أن یذکر حول
« محمد الغزالی » القول بالقدر وسیوافیک توضیحه والمضاعفات الناجمۀ عنه عند البحث عن عقیدة الأشاعرة. إنّ هنا کلمۀ للشیخ
المعاصر حول القدر والجبر یعرب
1 . لاحظ ص 156 161 من هذا الجزء.
1 بتصرّف یسیر، وقد تقدّم نصّ الرسالۀ. / 2 . طبقات الحنابلۀ: 15
( 245 ) . 3 . حیاة محمد : 549
عن أنّ المحقّقین من أهل السنّۀ بدأوا یدرسون الإسلام من جدید أو یدرسون الأُصول الموروثۀ من أبناء الحنابلۀ وأهل الحدیث من
رأس وقد رد علی القول بالقدر المستلزم للجبر رداً عنیفاً یعرب عن حریته فی الرأي وشجاعته الأدبیۀ فی تحلیل عقائد الإسلام نقتبس
منه ما یلی: فمن الناس من یزعم أنّ الحیاة روایۀ تمثیلیۀ خادعۀ، وأنّ التکلیف أُکذوبۀ وأنّ الناس مسوقون إلی مصائرهم المعروفۀ أزلًا
طوعاً أو کرهاً وأنّ المرسلین لم یبعثوا لقطع أعذار الجهل بل المرسلون خدعۀ تتم بها فصول الروایۀ أو فصول المأساة والغریب أنّ
جمهوراً کبیراً من المسلمین یجنح إلی هذه الفریۀ بل إنّ عامۀ المسلمین یطوون أنفسهم علی ما یشبه عقیدة الجبر، ولکنّهم حیاءً من
اللّه یسترون الجبر باختیار خافت موهوم، وقد أسهمت بعض المرویات فی تکوین هذه الشبهۀ وتمکینها وکانت بالتالی سبباً فی إفساد
الفکر الإسلامی وانهیار الحضارة والمجتمع. إنّ العلم الإلهی المحیط بکلّ شیء وصّ اف کشّاف یصف ما کان ویکشف ما یکون
والکتاب الدالّ علیه یسجل للواقع وحسب!لا یجعل السماء أرضاً ولا الجماد حیواناً إنّه صورة تطابق الأصل بلا زیادة ولا نقص ولا أثر
لها فی سلب أو إیجاب. إنّ هذه الأوهام (التقدیر سالب للاختیار) تکذیب للقرآن والسنّۀ ،فنحن بجهدنا وکدحنا ننجو أو نهلک
صفحۀ 105 من 154
والقول بأنّ کتاباً سبق علینا بذلک، وأنّه لا حیلۀ لنا بإزاء ما کتب أزلًا، هذا کلّه تضلیل وإفک لقوله تعالی: (قَدْ جاءَکُمْ بَصائِرُ مِنْ
رَبِّکُمْ فَمَنْ أَبْ َ ص رَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِیَ فَعَلَیْها) ( 1) ، (وَقُلِ الحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْیَکْفُر) .( 2) والواقع أنّ عقیدة الجبر
تطویح بالوحی کلّه وتزییف للنشاط الإنسانی من بدء الخلق إلی قیام الساعۀ بل هی تکذیب للّه والمرسلین قاطبۀ ومن ثمّ فإنّنا

. 1 . الأنعام: 104
( 246 ) . 2 . الکهف: 29
نتناول بحذر شدید ما جاء فی حدیث مسلم وغیره: إنّ أحدکم لیعمل بعمل أهل الجنّۀ حتی ما یکون بینه و بینها إلاّ ذراع فیسبق علیه
الکتاب فیعمل بعمل أهل النار فیدخلها، وإنّ أحدکم لیعمل بعمل أهل النار....( 1) ونظیر ذلک ما رواه الترمذي عن عمر بن الخطاب
أنّه سئل عن قوله تعالی: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنی آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّیَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلی أنفُسِهِمْ ألستُ بربِّکُمْ قاَلُوا بَلَی شَ هِدْنا أن
تقُولُوا یومَ القِیامَِۀِ إنّا کُنّا عِنْ هذا غافِلین) ( 2) قال عمر ابن الخطاب: سمعت رسول اللّه یسأل عنها فقال رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله
إنّ اللّه خلق آدم ثمّ مسح ظهره بیمینه فاستخرج منه ذریّۀ فقال: خلقت هؤلاء للجنۀ وبعمل أهل الجنۀ یعملون. ثمّ مسح علی » : وسلَّم
ظهره فاستخرج منه ذریّۀ فقال: هؤلاء خلقت للنار وبعمل أهل النار یعملون فقال رجل: یا رسول اللّه ففیم العمل؟ قال: فقال رسول اللّه
صلَّی الله علیه وآله وسلَّم : إنّ اللّه إذا خلق العبد للجنۀ استعمله بعمل أهل الجنۀ حتی یموت علی عمل من أعمال أهل الجنۀ فیدخله
3) فإنّ هذا التفسیر ).« الجنۀ، وإذا خلق العبد للنّار استعمله بعمل أهل النار حتی یموت علی عمل من أعمال أهل النار فیدخله اللّه النار
المنسوب لعمر یسیر فی اتجاه مضاد للتفسیر البدیهی المفهوم من الآیات البینات. علی أنّه لیس هنا أثر من الجبر الإلهی فی الآیۀ التی
ورد الحدیث فی تفسیرها ولا یفید أنّ اللّه خلق ناساً للنار یساقون إلیها راغمین، وخلق ناساً للجنّۀ یساقون إلیها محظوظین! وإنّ التعلق
بالمرویات المعلولۀ إساءة بالغۀ للإسلام. کلّ میل بعقیدة القدر إلی الجبر فهو تخریب متعمد لدین اللّه ودنیا الناس،

. 1 . قد مرّ نصّ الحدیث فی ص 264
. 2 . الأعراف: 172
( 247 ) . 5، رقم الحدیث 3075 / 3 . صحیح الترمذي: 266
وقد رأیت بعض النقلۀ والکاتبین یهونون من الإرادة البشریۀ ومن أثرها فی حاضر المرء ومستقبله، وکأنّهم یقولون للناس: أنتم
محکومون بعلم سابق لا فکاك منه ومسوقون إلی مصیر لا دخل لکم فیه، فاجهدوا جهدکم فلن تخرجوا من الخط المرسوم لکم مهما
بذلتم! إنّ هذا الکلام الرديء لیس نضح قراءة واعیۀ لکتاب ربّنا، ولا اقتداء دقیقاً بسنۀ نبیّنا إنّه تخلیط قد جنینا منه المر! وکلّ أثر مروي
یشغب علی حریۀ الإرادة البشریۀ فی صنع المستقبل الأُخروي یجب أن لا نلتفت إلیه فحقائق الدین الثابتۀ بالعقل والنقل لا یهدها
حدیث واهی السند أو معلول المتن، لکنّنا مهما نوّهنا بالإرادة الإنسانیۀ فلا ننسی أنّنا داخل سفینۀ یتقاذفها بحر الحیاة بین مد وجزر
وصعود وهبوط والسفینۀ تحکمها الأمواج ولا تحکم الأمواج، ویعنی هذا أن نلزم موقفاً محدداً بإزاء الأوضاع المتغیرة التی تمر بنا هذا
الموقف من صنعنا وبه نحاسب. أمّا الأوضاع التی تکتنفنا فلیست من صنعنا ومنها یکون الاختیار الذي یبت فی مصیرنا، إنّ تصویر
القدر علی النحو الذي جاءت به بعض المرویات غیر صحیح، وینبغی أن لا ندع کتاب ربّنا لأوهام وشائعات تأباها روح الکتاب
ونصوصه. القرآن قاطع فی أنّ أعمال الکافرین هی التی أردتهم (یا أَیُّهَا الَّذینَ کَفَروا لا تَعْتَذِرُوا الْیَومَ إِنّما تُجْزَوْنَ ما کُنْتُمْ تَعْمَلُون)
1) وقاطع فی أنّ أعمال الصالحین هی التی تنجیهم (وَنُودُوا أَنْ تِلْکُمُ الجَنّۀُ أُورِثْتُمُوها بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُون) .( 2) فلا احتجاج بقدر ولا )
مکان لجبر وعلی من یسیئون الفهم أو النقل أن لا یعکّروا صفو الإسلام. جاءت فی القدر أحادیث کثیرة نري أنّها بحاجۀ إلی دراسۀ
جادة حتی یبرأ المسلمون من الهزائم النفسیۀ والاجتماعیۀ التی أصابتهم قدیماً وحدیثاً.( 3)
صفحۀ 106 من 154
. 1 . التحریم: 7
. 2 . الأعراف: 43
3 . السنّۀ النبویۀ بین أهل الفقه وأهل الحدیث: 144 157 بتلخیص. ( 248 ) تکوین القدریۀ کرد فعل
و لمّا کان القدر والقضاء بالمعنی الذي تروّجه السلطۀ الأمویۀ مخالفاً للفطرة والعقل قام رجال أحرار فی وجه هذه العقیدة یرکّزون
علی القول بحریۀ الإنسان فی إطار حیاته فیما یرجع إلی سعادته وشقائه، وفیما عینت للثواب والعقاب، ولکن السلطۀ اتهمتهم بنفی
القضاء والقدر ومخالفۀ الکتاب والسنۀ ثمّوضعت السیوف علی رقاب بعضهم، هذا هو معبد الجهنی اتّهموه بالقدر (نفی القدر) ذهب
إلی الحسن البصري فقال له: إنّ بنی أُمیّۀ یسفکون الدماء ویقولون إنّما تجري أعمالنا علی قدر اللّه، فقال: کذب أعداء اللّه.( 1) ومعبد
هذا قد اتّهم بالقدریۀ وأنّه أخذ هذه العقیدة عن رجل نصرانی، ولکنّه اتهام فی غالب الظن قد أُلصق به وهو منه براء وهذا الذهبی
یعرّفه بقوله: إنّه صدوق فی نفسه، وإنّه خرج مع ابن الأشعث علی الحجاج حتی قتل صبراً، ووثّقه ابن معین ونقل عن جعفر بن سلیمان
أنّه حدثه مالک بن دینار قال لقیت معبداً الجهنی بمکۀ بعد ابن الأشعث وهوجریح وکان قاتل الحجاج فی المواطن کلّها.( 2) ولا أظن
أنّ الرجل الذي ضحی بنفسه فی طریق الجهاد ومکافحۀ الظالمین ینکر ما هو من أوضح الأُصول وأمتنها، ولو أنکر فإنّما أنکر المعنی
الذي استغله النظام آنذاك ویشهد بذلک محاورته الحسن البصري الآنفۀ. ومثله غیلان الدمشقی فقد اتّهم بنفس ما اتهم به أُستاذه،
فهذا الشهرستانی یقول: کان غیلان یقول بالقدر خیره وشره من العبد. وقیل تاب عن القول بالقدر علی ید عمر بن عبد العزیز، فلمّا
( مات عمر جاهر بمذهبه فطلبه هشام بن عبد الملک وأحضر الأوزاعی لمناظرته، فأفتی بقتله، فصلب علی باب کیسان بدمشق.( 3

.2/ 1 . الخطط المقریزیۀ: 356
.4/ 2 . میزان الاعتدال: 141
( 249 ) .1/ 3 . الملل النحل للشهرستانی: 47
وقد صارت مکافحۀ هذا الاتجاه الظاهر عن معبد الجهنی وغیلان الدمشقی ومحاربته سبباً لظهور المفوّضۀ الذین کانوا یعتقدون
بتفویض الأُمور إلی العباد وأنّه لیس للّه سبحانه أي صنع فی أفعالهم، فجعلوا الإنسان خالقاً لأفعاله، مستغنیاً عن اللّه سبحانه فصار
کالإله فی مجال الأفعال کما کان القضاء والقدر حاکماً علی کلّ شیء ولا یمکن تغییره بأي صورة أُخري من الصور. فالطرفان
یحیدان عن جادة التوحید ویمیلان إلی جانبی الإفراط والتفریط فی الخلق وسیوافیک تفصیل القول فی محله. الاحتجاج بالقدر
إنّ القدر بالمعنی الذي جاء فی الأحادیث النبویۀ من شأنه أن یجعل الإنسان مسلوب الاختیار، مسیراً فی حیاته غیر مختار فی أفعاله
فعند ذلک یصحّ للعبد أن یحتجّ علی المولی فی عصیانه ومخالفته. ومن العجیب انّه جاء فی الصحیحین حدیث عن أبی هریرة عن
احتجّ آدم وموسی فقال موسی: یا آدم أنت أبوالبشر الذي خلقک اللّه بیده، ونفخ فیک من » : النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم أنّه قال
فقال له آدم: أنت موسی الذي کلّمک اللّه تکلیماً وکتب لک التوراة «؟ روحه وأسجد لک ملائکته، فلماذا أخرجتنا ونفسک من الجنۀ
1) وقد اضطرب القائلون بالقدر ).« قبل أن أخلق؟ قال: بأربعین سنۀ قال فحج آدم موسی « وعصی آدم ربّه فغوي » فبکم تجد فیها مکتوباً
ومالوا یمیناً وشمالًا فی تفسیر هذا الحدیث وأمثاله إذ لو صحّ القدر بالمعنی الذي جاء فی الأحادیث النبویۀ لکان باب العذر للعبد
مفتوحاً علی مصراعیه. والعجب من ابن تیمیۀ حیث فسر الحدیث فی رسالۀ أسماها
( 250 ) .9/ 8و 148 / 6و 126 / 4 و 96 / 10 525 ;صحیح البخاري: 158 / 1 . جامع الأُصول: 523
بأنّ موسی لم یلم آدم إلاّمن جهۀ المصیبۀ التی أصابته وذریته بما فعل لا لأجل أنّ تارك الأمر الإلهی مذنب « الاحتجاج بالقدر » ب
عاص، ولهذا قال: لماذا أخرجتنا ونفسک من الجنۀ. ولم یقل: لماذا خالفت الأمر؟ ولماذا عصیت؟ والناس مأمورون عند المصائب التی
تصیبهم بأفعال الناس أو بغیر أفعالهم، بالتسلیم للقدر وشهود الربوبیۀ کما قال اللّه تبارك و تعالی: (ما أَصابَ مِنْ مُصِیبَۀ إِلاّبِإِذْنِ اللّه)
صفحۀ 107 من 154
1) ووجه العجب: أنّ ابن تیمیۀ قصر النظر علی کلام موسی حیث اعترض علی آدم بأنّه لماذا أخرج نفسه وذریته من الجنۀ، ولم ).
یلتفت إلی جواب آدم، فإنّه صریح فی الاحتجاج بالقدر فی مورد العصیان وأنّ معصیته کانت أمراً مقدراً قبل أن یخلق فلم یکن بد
قبل أن « وعصی آدم ربّه فغوي » منها حیث قال لموسی: أنت موسی الذي کلمک اللّه تکلیماً وکتب لک التوراة فبکم تجد فیها مکتوباً
أخلق، قال: بأربعین سنۀ قال: فحج آدم موسی.( 2) وعلی ذلک فموسی وإن لم یلم آدم إلاّمن جهۀ المصیبۀ التی أصابته وذریته بما
فعل، لکن لما کانت المصیبۀ نتیجۀ المعصیۀ، احتج آدم علی موسی بأنّ المعصیۀ لما کانت أمراً مقدراً وهو بالنسبۀ إلیها مسیراً، وکانت
المصیبۀ نتیجۀ لها، فهو معذور فی المصیبۀ الّتی عمّته وذریته. فالکلّ من السبب والمسبب کانا خارجین عن قدرته واختیاره فلا لوم
علی المصیبۀ لعدم صحّۀ اللوم علی المعصیۀ المقدّرة قبل خلقته بأربعین سنۀ. ثمّ إنّ کثیراً من القائلین بالقدر بالمعنی الذي تفیده
لا» ظواهر الأحادیث لمّا رأوا فی صمیم عقلهم وأغوار فکرهم أنّه لا یجتمع معالتکلیف، صاروا إلی الإجابۀ بأصل مبهم جداً، وهو أنّه
و عندئذ یتوجه إلیهم السؤال التالی: لو کان القدر بالمعنی الذي تفیده ظواهر الأحادیث أمراً صحیحاً یجب . « یحتج بالقدر

. 1 . التغابن: 11
( 251 ) . 2 . الاحتجاج بالقدر: 18
الإذعان به و بنتائجه ولوازمه وهو کون الإنسان مجبوراً مسیراً فلا محالۀ یصحّ الاحتجاج به أیضاً فی مقام الاعتذار. وبالجملۀ: لا مناص
عن اختیار أحد الأمرین: إمّا الإذعان بالقدر ونتائجه ولوازمه ومنها الاحتجاج علی المولی سبحانه فی مقام المخالفۀ، وإمّا رفض ذلک
الاعتقاد والقول بکون الإنسان مخیراً مختاراً. فالجمع بین الإذعان بالقدر وعدم الاحتجاج به أشبه بالأخذ بالشجرة وإضاعۀ الثمرة. ثمّ
ولیس القدر حجّۀ لابن آدم ولا عذراً بل القدر » : إنّ ابن تیمیۀ قد التجأ فی حلّ العقدة إلی جواب آخر: وهو أنّ القدر لا یحتج به، قال
یؤمن به ولا یحتج به والمحتج بالقدر فاسد العقل والدین فإنّ القدر إن کان حجّۀ وعذراً لزم أن لا یلام أحد ولا یعاقب ولا یقتص
منه، وهذا أمر ممتنع فی الطبیعۀ لا یمکن لأحد أن یفعله، وهو ممتنع طبعاً، محرم شرعاً، ولما کان الاحتجاج بالقدر باطلًا فی فطرة
1) وکان علی ابن تیمیۀ أن یتنبّه عندئذ فیجعل عدم ).« الخلق وعقولهم، لم تذهب إلیه أُمّۀ من الأُمم، ولا هو مذهب أحدمن العقلاء
.« لا یحتج به » احتجاج العقلاء بالقدر دلیلًا علی بطلان القدر بالمعنی الذي اختاره وتدیّن به، وإلاّفلو صحّ القدر لا یصحّ أن یقال
وبالجملۀ: إمّا أن یؤمن بالقدر ویحتج به، وإمّا أن لا یؤمن به ولا یحتج به. وهناك أمر آخر، وهو: أنّ القائل بالقدر یصرح بوجوب
الإیمان بالقدر خیره وشره،وبما أنّ القدر فعل اللّه سبحانه، فتکون النتیجۀ کون الخیر والشر من أفعاله سبحانه وتقدیراته حسب ما سبق
والشر لیس » : به علمه واقتضته حکمته. مع أنّ صریح الصحاح من الأحادیث خلافه وأنّ النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم قال
2) ).« إلیک
. 1 91 / 1 . مجموعۀ الرسائل والمسائل: 88
( 252 ) .« نوع آخر من الذکر والدعاء بین التکبیر والقراءة » 2، کتاب الصلاة، أبواب الافتتاح، باب / 2 . سنن النسائی: 130
وعلی ذلک فیجب تفسیر الشر بشکل یناسب مقام الرب کالجدب و المرض والفقر والخوف. وإطلاق الشر علیها نوع مجاز وتأویل.
محاولۀ للجمع بین القدر وصحّۀ التکلیف
إنّ بعض المتحذلقین فی العصر الحاضر لمّا رأي أنّ القدر بالمعنی الذي تفیده ظواهر الروایات لا یجتمع مع الاختیار والحریۀ ویناقض
إنّ للقدر أربع مراتب: المرتبۀ الأُولی: العلم: علمه الأزلی الأبدي، فلا یتجدّد له علم » : صحّ ۀ التکلیف، صار بصدد الجمع بینهما فقال
بعد جهل ولا یلحقه نسیان بعد علم. المرتبۀ الثانیۀ: الکتاب: فنؤمن بأنّ اللّه تعالی کتب فی اللوح المحفوظ ما هو کائن إلی یوم القیامۀ،
قال سبحانه: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ یَعْلَمُ ما فِی السَّماءِ وَالَأرضِ إِنَّ ذلِکَ فِی کِتاب انَّ ذلکَ علی اللّهِ یَسِیر) .( 1) المرتبۀ الثالثۀ: المشیئۀ:
فنؤمن بأنّ اللّه تعالی قد شاء کلّ ما فی السماوات والأرض لا یکون شیء إلاّبمشیئته، ما شاء اللّه کان و ما لم یشأ لم یکن. المرتبۀ
صفحۀ 108 من 154
وهذه المراتب الأربع .« ( الرابعۀ: الخلق: فنؤمن بأنّ (اللّهُ خالِقُ کُلِّ شَیْء و هُوَ عَلَی کُلِّ شَیْء وَکِیل* لَهُ مقالِیدُ السّماواتِ والأرض) ( 2
شاملۀ لما یکون من اللّه نفسه ولما یکون من العباد. فکلّ ما یقوم به العباد من أقوال أو أفعال أو تروك، فهی معلومۀ للّه تعالی مکتوبۀ
عنده واللّه قد شاءها وخلقها. ثمّ یقول: ولکنّنا مع ذلک نؤمن بأنّ اللّه تعالی جعل للعبد اختیاراً وقدرة، بهما یکون الفعل، والدلیل علی
أنّ فعل العبد باختیاره وقدرته أُمور. ثمّ استدل ب آیات تثبت للعبد إتیاناً بمشیئته وإعداداً بإرادته مثل قوله سبحانه: (فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنّی
شِئْتُم) ( 3) وقوله: (وَلَو
. 1 . الحج: 70
. 2 . الزمر: 62 63
(2).( 253 ) أَرادُوا الخُرُوجَ لَأعدّوا لَهُ عُدَّة)( 1 ) . 3 . البقرة: 223
انظر إلی التناقض الذي ارتکبه الکاتب المعاصر وهو بصدد بیان العقیدة الإسلامیۀ، إذ لو کان فعل العبد معلوماً للّه ومکتوباً فی اللوح
المحفوظ وقد شاء اللّه فعله وخلقه، فکیف یکون للعبد اختیار وقدرة بهما یوجد الفعل؟ وهل الفعل بعد علمه تعالی وکتابته، ومشیئته
فکما أنّه لا !؟؟« هل قریۀ وراء عبادان »؟ وخلقه یکون محتاجاً إلی شیء آخر حتّی یکون لاختیار العبد وقدرته دور فی ذلک المجال
یکون للعباد دور فی خلق السماوات والأرض بعد ما تعلّق به علمه سبحانه وکتبه فی لوحه، وشاء وجوده، وخلقه، فهکذا أفعال عباده
بعد ما وقعت فی إطار هذه المجالات الأربعۀ. وبالجملۀ فعندما تحقّق الخلق من اللّه لا تکون هناك أیۀ حالۀ انتظاریۀ فی تکوّن الفعل
فعده « الخلق » الذي أضافه إمام الأشاعرة إلی « الکسب » ووجوده. فلا معنی لأن یکون للعبد بعد خلقه سبحانه دور أو تأثیر. وأمّا مسألۀ
سبحانه خالقاً والعبد کاسباً، فسیوافیک أنّه لیس للکسب مع معقول بعد تمامیۀ الخلقۀ، فتربص حتی حین. صراع بین الوجدان وظواهر
الأحادیث
لا شکّ أنّ کلّ إنسان یجد من صمیم ذاته أنّ له قدرة واختیاراً ولا یحتاج فی إثباته إلی الاستدلال بالآیات والروایات کما ارتکبه
الکاتب وهذا شیء لا یمکن لأحد إنکاره، ولذلک صحّ التکلیف وحسن بعث الأنبیاء وعلیه یدور فلک الحیاة فی المجتمع الإنسانی.
والقدر بالمعنی الذي تصرح به الأحادیث لا یجتمع مع اختیار العبد وقدرته، فلو صحّ القدر بالمعنی المعروف بین أهل الحدیث لم
یکن مناص فی
. 1 . التوبۀ: 46
( 254 ) . بقلم محمد صالح العثیمین من منشورات الجامعۀ الإسلامیۀ فی المدینۀ المنورة: ص 27 29 « عقیدة أهل السنّۀ والجماعۀ » . 2
الصراع عن ارتکاب أحد أمرین: إمّا إنکار القدر و القضاء وهو لا یصحّ أن یصدر من مسلم مؤمن بکتاب اللّه، وإمّا إنکار القدرة
والاختیار وهو یخالف الوجدان والفطرة السلیمۀ، وأمّا الجمع بینهما فهو أمر غیر ممکن. والحقّ أنّ الاعتقاد بالقدر بالمعنی الوارد فی
الروایات السابقۀ لا ینفک عن الجبر قید شعرة، وللعبد الاحتجاج علی المولی بأنّ الفعل بعد تنزّله من مرتبۀ العلم إلی مرتبۀ الکتابۀ
ومنهما إلی درجۀ المشیئۀ فدرجۀ الخلق والإیجاد یکون عندئذ مخلوقاً للّه سبحانه و فعلًا له، وکلّ فاعل مسؤول عن فعل نفسه لا فعل
غیره.(وَلاتَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخري) ( 1). ولا تکون حینئذ للفعل أیۀ صلۀ بالعبد إلاّ کونه ظرفاً للصدور ومحلًا لإیجاده سبحانه. ولکن
الإمامیۀ مع اعترافهم بالمراتب الأربع للقدر لا یرونه ملازماً للجبر، بل یرون للعبد بعدها اختیاراً وحریۀ. ولأجل ذلک یجب ترکیز
الکلام فی تفسیر کون الفعل مورداً لمشیئته وکونه مخلوقاً له سبحانه، وإلیک بیان هذین الأمرین: القول بالقدر لا یلازم الجبر
إنّ منشأ توهم الجبر وکون الإنسان مسیّراً لا مخیّراً أحد أمرین: 1. کون فعله متعلّقاً لمشیئته سبحانه وما شاء اللّه یقع حتماً. 2. کونه
خالقاً لکلّ شیء حتّی أفعال عباده وإلاّ بطل التوحید فی الخالقیۀ. وبالبیان التالی یظهر بطلان التوهم المذکور، وأنّ واحداً من الأصلین
لا یقتضی الجبر، إذا فسر علی الوجه الصحیح، لا علی الوجه الذي یتبنّاه أهل الحدیث وحتی الأشاعرة. فنقول:
255 ) الأمر الأوّل: تعلّق مشیئته بالأفعال ) . 1 . الأنعام: 164
صفحۀ 109 من 154
أمّا کون أفعال العباد متعلّقۀ لمشیئته سبحانه، فهناك من ینکر ذلک ویقول: إنّ التقدیر یختص بما یجري فی الکون من حوادث کونیۀ
ممّا یتعلّق به تدبیره سبحانه، وأمّا أفعال العباد فلیست متعلّقۀ بالتقدیر والمشیئۀ، بل هی خارجۀ عن إطارهما، والحافز إلی ذاك
التخصیص هو التحفّظ علی الاختیار ونفی الجبر، فهذا القول یعترف بالقدر ولکن لا فی أفعال العباد بل فی غیرها. یلاحظ علیه: أنَّّ
الظاهر من الآیات أنّ فعل العباد تتعلّق به مشیئۀ اللّه، وأنّه لولا مشیئته سبحانه لما تمکن من الفعل. یقول الراغب: لولا أنّ الأُمور کلّها
موقوفۀ علی مشیئۀ اللّه وأنّ أفعالنا معلّقۀ بها وموقوفۀ علیها لما أجمع الناس علی تعلیق الاستثناء به فی جمیع أفعالنا نحو (سَتَجِدُنِی إنْ
شَاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرینَ) ، (سَتَجِدُنِی إنْ شَاءَ اللّهُ صابِراً) ، (یَأِتْیکُمْ بِهِ الّلهُ إن شاء) ، (ادخُلُوا مِصْرَ إن شاءَ اللّهُ) ، (قُلْ لا أملِکُ لِنَفْسِی نْفْعاً
ولا ضَ رّاً إلاّ ما شاءَ اللّهُ)، (وَما یکونُ لَنا أنْ نعودَ فِیها إلاّأن یشاءَ اللّهُ ربُّنا) ، (ولا تَقُولَنَّ لِشَ یء إنّی فاعِلٌ ذلِکَ غداً * إلاّ أن یشاءَ اللّهُ)
1. قوله سبحانه: (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِینَۀ أو ترَکْتُمُوها قائِمَ ۀً عَلَی أُصُولِها فبإذنِ اللّهِ ولِیُخْزِيَ :« الراغب » 1) وهناك آیات أُخر لم یذکرها ).
الفاسِقین) .( 2) فالإذن هنا بمعنی المشیئۀ وما ذکر من القطع والإبقاء من باب المثال. 2. قوله سبحانه: (إن هُوَ إلاّ ذِکْرٌ لِلعالَمِین* لِمَنْ
3. قوله سبحانه: (إنَّ هَذِهِ تَذْکِرةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخذَ إلی ربّهِ سَبِیلًا* ( شاءَ مِنْکُمْ أنْ یَسْتَقِیم* وما تَشاؤُونَ إلاّ أنْ یَشاءَ اللّهُ ربُّ العَالَمِینَ) .( 3

. 1 . المفردات: 271 .و الآیات کالتالی: الصافات: 102 ، الکهف: 69 ، هود: 33 ، یوسف: 99 ، الأعراف: 188 و 89 ، والکهف: 23 24
. 2 . الحشر: 5
( 256 ) وما تَشاءُونَ إلاّ أن یَشاءَ اللّهُ إنّ اللّهَ کانَ علِیماً حکِیماً) .( 1 ) . 3 . التکویر: 27 29
4. قال سبحانه: (کَلاّ بَلْ لا یَخافُونَ الآخِرةَ* کَلّا إنّهُ تَذْکِرَةٌ* فَمَنْ شَاءَ ذَکَرَهُ* و ما یَذْکُرُونَ إلاّ أنْ یَشاءَ اللّهُ هُوَ أهْلُ التَّقْوي و أهْلُ
المَغْفِرَةِ).( 2) وجه الدلالۀ فی الآیات الثلاث واحدة ومفعول الفعل(وما تشاءون) فی الآیۀ الأُولی هو الاستقامۀ. معناه وما تشاءون
الاستقامۀ علی الحقّ إلاّ أن یشاء اللّه ذلک، کما أنّ المفعول فی الآیۀ الثانیۀ عبارة عن اتّخاذ الطریق والمعنی وما تشاءون اتّخاذ الطریق
إلی مرضاة اللّه تعالی إلاّأن یشاء اللّه تعالی ، کما أنّ المفعول للفعل، (وما یذکرون) فی الآیۀ الثالثۀ هو القرآن ،أي وما یذکرون
لا تشاءون » القرآن ولا یتذکّرون به إلاّ أن یشاء اللّه. إذا عرفت ذلک ففی الآیات الثلاث الأخیرة احتمالان: الأوّل: المراد أنّکم
الاستقامۀ أو اتّخاذ الطریق أو التذکّر بالقرآن إلاّ أن یشاء اللّه أن یجبرکم علیه ویلجئکم إلیه، ولکنّه لا یفعل، لأنّه یرید منکم أن تؤمنوا
وحاصله: وما تشاءون واحداً من هذه « الطبرسی » واختاره أبو مسلم کما نقله عنه « اختیاراً لتستحقوا الثواب، ولا یرید أن یحملکم علیه
الأُمور إلاّأن یشاء اللّه إجبارکم وإلجاءکم إلیه، فحینئذ تشاءون ولا ینفعکم ذلک، والتکلیف زائل، ولم یشأ اللّه هذه المشیئۀ، بل شاء
أن تختاروا الإیمان لتستحقوا الثواب.( 3) وعلی هذا فالآیات خارجۀ عمّا نحن فیه، أعنی: کون أفعال البشر علی وجه الإطلاق اختیاریۀ
کانت أو جبریۀ متعلّقۀ لمشیئته سبحانه. الثانی: إنّ الآیۀ بصدد بیان أنّ کلّ فعل من أفعال البشر ومنها الاستقامۀ واتخاذ الطریق
والتذکّر لا تتحقّق إلاّ بعد تعلق مشیئته سبحانه بصدورها غیر أنّ
. 1 . الإنسان: 29 30
. 2 . المدثر: 53 56
( 257 ) . 5 و 413 و 446 / 3 . مجمع البیان: 39
لتعلّق مشیئته شرائط ومعدّات منها کون العبد متجرّداً عن العناد واللجاج متهیئاً لقبول الصلاح والفلاح موقعاً نفسه فی مهب الهدایۀ
الإلهیۀ، فعند ذلک تتعلّق مشیئته بهدایۀ العبد، وبما أنّ الکفّار المخاطبین فی الآیۀ لم یکونوا واجدین لهذا الشرط لم تتعلّق مشیئته
باستقامتهم واتّخاذ الطریق والاتّعاظ بالقرآن. ولیس هذا بکلام غریب وإنّه هو المحکّم فی الآیات الراجعۀ إلی الهدایۀ فإنّ له سبحانه
( هدایتین:هدایۀ عامۀ تفیض إلی عامۀ البشر: مؤمنهم وکافرهم وإلیه یشیر قوله سبحانه: (إِنّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمّا شاکِراً وَإِمّا کَفُوراً) ( 1
وهناك هدایۀ خاصۀ تفیض منه سبحانه إلی من جعل نفسه فی مهب الرحمۀ واستفاد من الهدایۀ الأُولی، وإلی ذلک یشیر قوله
صفحۀ 110 من 154
سبحانه: (وَیَهْدي إِلَیْهِ مَنْ یُنِیبُ) ( 2)، والظاهر من مجموع الآیات حول المشیئۀ هو الاحتمال الثانی دون الأوّل واختاره العلاّمۀ
الطباطبائی فقال فی تفسیر سورة الإنسان. الاستثناء من النفی یفید أنّ مشیئۀ العبد متوقّفۀ فی وجودها علی مشیئته تعالی فلمشیئته تعالی
تأثیر فی فعل العبد من طریق تعلّقها بمشیئۀ العبد ولیست متعلّقۀ بفعل العبد مستقلًا وبلا واسطۀ حتی تستلزم بطلان تأثیر إرادة العبد
وکون الفعل جبریاً ولا أنّ العبد مستقل فی إرادة یفعل ما یشاؤه، شاء اللّه أو لم یشأ، فالفعل اختیاري لاستناده إلی اختیار العبد.( 3) هذا
کلّه فی الصغري أي کون أفعال العباد متعلقۀ لمشیئته سبحانه. إنّما الکلام فی الکبري وهو أنّ تعلّق المشیئۀ بفعل العبد لا یستلزم الجبر،
وهذه هی النقطۀ الحسّاسۀ فی حلّ عقدة الجبر مع القول بکون أفعالنا متعلّقۀ لمشیئته. بیان ذلک أنّ هناك فرضین: 1. تعلّقت مشیئته
سبحانه بصدور الفعل من العبد إیجاداً واضطراراً. 2. تعلّقت مشیئته سبحانه بصدوره منه عن إرادة واختیار.
. 1 . الإنسان: 3
. 2 . الشوري: 13
( 258 ) .142 / 3 . المیزان: 20
فالقول بالجبر إنّما هو نتیجۀ الفرض الأوّل دون الثانی. إنّ مشیئته سبحانه تعلّقت بصدور کلّ فعل عن فاعله مع الخصوصیۀ الموجودة
فیه، کالصدور عن لا شعور فی النار بالنسبۀ إلی الحرارة والصدور عن اختیار فی الإنسان بالنسۀ إلی التکلم والمشی. وعلی ذلک یجب
أن تصدر الحرارة من النار عن اضطرار، ویصدر التکلّم أو المشی عن الإنسان باختیار وإرادة. فلو صدر الأوّل عن النار بغیر هذا الوضع،
أو الثانی من الإنسان بغیر هذه الکیفیۀ لزم التخلّف عن مشیئته سبحانه وهو محال، إذ ما شاء کان وما لم یشأ لم یکن. ومجرّد کون
الفعل متعلّقاً لمشیئته وأنّ ما شاء یقع، لا یستلزم القول بالجبر، ولا یصیر الإنسان بموجبه مسیّراً إذا کان الفعل صادراً عن الفاعل
بالخصوصیۀ المکتنفۀ به. فالنار فاعل طبیعی تعلقت مشیئته سبحانه بصدور أثرها (أي الحرارة) عنها بلا شعور. والإنسان فاعل مدرك
شاعر مرید، تعلّقت مشیئته سبحانه بصدور فعله عنه مع الشعور والإرادة. فلو صدر الفعل فی کلا الموردین لا مع هذه الخصوصیات لزم
التخلّف. فتنزیه ساحته عن وصمۀ التخلّف یتوقّف علی القول بأنّ کلّ معلول یصدر عن العلّۀ. لکن بالخصوصیۀ التی خلقت معها. فقد
شاء اللّه سبحانه أن تکون النار فاعلًا موجباً، ویصدر عنها الفعل بالإیجاب، کما شاء أن یکون الإنسان فاعلًا مختاراً ویصدر الفعل عنه
لکن بقید الاختیار والحریۀ. ولقائل أن یقول: إنّ تعلّق المشیئۀ المهیمنۀ من اللّه سبحانه علی صدور الفعل من العبد عن اختیار موجب
لکون صدور الفعل أمراً قطعیاً وعدم المناص إلاّعن إیجاده ومع هذا کیف یکون الفعل اختیاریاً فإنّ معناه أنّ له أن یفعل وله أن لا
یفعل وهذا لا یجتمع مع کون صدور الفعل قطعیاً. والجواب: إنّ قطعیۀ أحد الطرفین لا تنافی کون الفعل اختیاریاً، وذلک بوجهین: (
( 259
1. بالنقض بفعل الباري سبحانه، فإنّ الحسن قطعی الصدور، والقبیح قطعی العدم، ومع ذلک فالفعل اختیاري له واللّه سبحانه یعامل
عباده بالعدل والقسط قطعاً ولا مناص عنه ولا یعاملهم ظلماً وجوراً قطعاً وبتاتاً، ومع ذلک ففعله سبحانه المتّسم بالعدل، اختیاري لا
اضطراري. 2. إنّ تعلّق مشیئته سبحانه بأفعال العباد، یرجع لباً إلی تعلّقها بحریتهم فی الفعل والعمل، وعدم وجود موجب للجوئهم إلی
أحد الطرفین حتماً فشاء اللّه سبحانه کونهم أحراراً غیر مجبورین، مختارین غیر مضطرین حتی یهلک من هلک عن بیّنۀ ویحیا من حی
عن بیّنۀ. هذا کلّه حول المشیئۀ. الأمر الثانی: خلق الأفعال
وأمّا کون أفعال العباد مخلوقۀ للّه سبحانه فهذا أصل یجب الاعتراف به بحکم التوحید فی الخالقیۀ، وبحکم أنّ(اللّهُ خَالِقُ کُلِّ شَیْء
وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیْء وََکِیلٌ) .( 1) إلاّ أنّه یجب تفسیر التوحید فی الخالقیۀ، ولیس معناه انحصار الفاعلیۀ والخالقیۀ، أعمّ من المستقل
وغیر المستقل باللّه سبحانه، بأن یکون هناك فاعل واحد یقوم مقام جمیع العلل والفواعل المدرکۀ وغیر المدرکۀ، کما هو الظاهر من
عبارات القوم فی تفسیر التوحید فی الخالقیۀ،إذ معنی ذلک رفض مسألۀ العلیۀ والمعلولیۀ بین الأشیاء. وهذا ما لا یوافق علیه العقل ولا
الذکر الحکیم، بل معناه أنّه لیس فی صفحۀ الوجود خالق أصیل غیر اللّه، ولا فاعل مستقل سواه سبحانه، وأنّ کلّ ما فی الکون من
صفحۀ 111 من 154
کواکب وجبال، وبحار وعناصر، ومعادن وسحب، ورعود وبروق، وصواعق ونباتات، وأشجار وإنسان وحیوان وملک وجن، وعلی
الجملۀ کلّ ما یطلق علیه عنوان الفاعل والسبب کلّها علل وأسباب غیر مستقلۀ
( 260 ) . 1 . الزمر: 62
التأثیر، وأنّ کلّ ما ینسب إلی تلک الفواعل من الآثار لیس لذوات هذه الأسباب بالاستقلال. وإنّما ینتهی تأثیر هذه المؤثرات إلی اللّه
سبحانه، فجمیع هذه الأسباب والمسببات رغم ارتباط بعضها ببعض مخلوقۀ للّه، فإلیه تنتهی العلیۀ، وإلیه تؤول السببیۀ، وهو معطیها
للأشیاء، کما أنّ له تجریدها عنها إن شاء، فهو مسبب الأسباب وهو معطّلها. وهذا هو نتیجۀ الجمع بین الآیات الناصۀ علی حصر
الخالقیۀ باللّه سبحانه، والآیات المثبتۀ لها لغیره، کما فی قوله سبحانه حاکیاً عن سیدنا المسیح علی نبیّنا وآله و علیه السَّلام :(أنِّی
أَخْلُقُ لَکُمْ مِنَ الطِّینِ کَهَیْئَۀِ الطَّیْرِ فَأَنْفُخُ فِیهِ فَیَکونُ طیراً بِإِذْنِ اللّه) ( 1)، وقوله سبحانه:(فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الخالِقینَ).( 2) فهذا الصنف
من الآیات الذي یسند الخلق إلی غیره سبحانه إذا قورن بالآیات الأُخري المصرحۀ بانحصار الخالقیۀ باللّه سبحانه، مثل قوله تعالی:(قُل
اللّهُ خَ الِقُ کُلِّ شَیْء وَهُوَ الْواحِ دُ القَهّار) ( 3) یستنتج أنّ الخالقیۀ المستقلۀ غیر المستندة إلی شیء سوي ذات الخالق منحصرة باللّه
سبحانه، وفی الوقت نفسه الخالقیۀ والفاعلیۀ غیر المستقلۀ المفاضۀ من الواهب سبحانه إلی الأسباب، تعم عباده وجمیع الفواعل
المدرکۀ وغیر المدرکۀ. وعلی ذلک فکلّ فعل صادر عن فاعل طبیعی أو مدرك کما یعد فعله سبحانه کذلک یعدّ فعلًا للعبد، لکن
بنسبتین. فاللّه سبحانه فاعل لها بالتسبیب، وغیره فاعل لها بالمباشرة. فلیست ذاته سبحانه مبدأً للحرارة بلا واسطۀ النار، أو للأکل
والمشی بلا واسطۀ
. 1 . آل عمران: 49
. 2 . المؤمنون: 14
( 261 ) . 3 . الرعد: 16
الإنسان، بل الفاعل الذي تصدر عنه هذه الأُمور هو النار والإنسان، ولکن فاعلیۀ کلّ واحد بقدرته وإفاضۀ الوجود. وبذلک یتبیّن أنّ
أفعال العباد فی حال کونها مخلوقۀ للّه، مخلوقۀ للإنسان أیضاً، فالکلّ خالق لا فی عرض واحد، بل فاعلیۀ الثانی فی طول فاعلیۀ الأوّل.
والبیتان التالیان یلخّصان هذه النظریۀ: وکیف فعلنا إلینا فوّضا * وإنّ ذا تفویض ذاتنا اقتضی لکن کما الوجود منسوب لنا *
فالفعل فعل اللّه وهو فعلنا وبذلک یتبین أنّ الاعتراف بالمرتبۀ الثالثۀ والرابعۀ من القدر لا یلازم الجبر، بشرط تفسیرهما علی النحو
الذي تقدّم.( 1) *** ثمّ إنّ هناك رسائل ثلاثاً تعدّ من بدایات علم الکلام فی القرن الأوّل تعرب عن آراء متضاربۀ فی استلزام القول
بالعلم الإلهی السابق، القول بالجبر وعدمه. فالأمویون علی الأوّل وفی مقدّمتهم عمر بن عبد العزیز. وغیرهم علی الثانی کالحسن
البصري وأصحابه، نذکر نصّ الرسالتین إحداهما لعمر بن عبد العزیز والأُخري للحسن وهما یغنیان عن الرسالۀ الثالثۀ للحسن بن محمد
بن الحنفیۀ، کما سنذکره. عرف الأمویون منذ عصر معاویۀ إلی آخر دولتهم أنّ سلطتهم علی الناس لا تبقی إلاّ مع إذاعۀ فکرة الجبر
بین الأُمّۀ. وقد أشرنا إلی نماذج من أقوال معاویۀ فیما سبق، ونضیف فی المقام ما نقله القاضی عبد الجبار عن الشیخ أبی علی الجبائی
أنّه قال: إنّ أوّل من قال بالجبر وأظهره معاویۀ، وإنّه أظهر أنّ ما یأتیه بقضاء اللّه ومن خلقه، لیجعله عذراً فیما یأتیه ویوهم أنّه مصیب
فیه وأنّ اللّه جعله إماماً وولاّه الأمر وفشا ذلک فی ملوك بنی أُمیّۀ. وعلی هذا القول قتل هشام بن عبد الملک غیلان رحمه اللّه ، ثمّ
نشأ بعدهم
( 262 ) . 1/299 334 : « مفاهیم القرآن » : 1 . ومن أراد التفصیل فلیرجع إلی کتابنا
یوسف السمنی فوضع لهم القول بتکلیف مالا یطاق، وأخذ هذا القول عن ضریر( 1) وکان بواسط زندیقاً نبویاً( 2) وقال جهم: إنّه لا
فعل للعبد. وتبعه ضرار فی المعنی، وإن أضاف الفعل إلی العبد وجعله کسباً له وفعلًا وإن کان خلقاً للّه عنده.( 3) الرسائل الثلاث
إنّ الأُمّۀ الإسلامیۀ فی النصف الثانی من القرن الأوّل ومجموع القرنین التالیین کانت تعیش فی مأزق حرج بالنسبۀ إلی العقائد
صفحۀ 112 من 154
الإسلامیۀ عامۀ، والجبر والاختیار خاصۀ، إذ لم تکن العقیدة الإسلامیۀ مدوّنۀ ولا مضبوطۀ، وتکفینا فی البرهنۀ علی ذلک الرسائل
الثلاث التی تعد من أقدم الوثائق التاریخیۀ فی مسائل علم الکلام: الرسالۀ الأُولی: الرسالۀ المنسوبۀ إلی الحسن بن محمد بن الحنفیۀ
(المتوفّی حوالی 100 ه) حفید الإمام علی بن أبی طالب علیه السَّلام ، ویستظهر أنّها کتبت بإیحاء من الخلیفۀ الأموي عبد الملک
بن مروان (المتوفّی 86 ه) وأنّ تاریخ تألیفها یرجع إلی سنۀ 73 هجري.( 4) الرسالۀ الثانیۀ: ما کتبه الحسن البصري (المتوفّی 110 ه) إلی
الخلیفۀ نفسه. والرسالتان تقعان علی جانبی النقیض، فالأولی تمثّل فکرة الجبر لکن بصورة ملائمۀ، والأُخري تبیّن عقیدة الاختیار
والحریۀ. الرسالۀ الثالثۀ: رسالۀ الخلیفۀ عمر بن عبد العزیز رداً علی قدري مجهول
1 . کلمۀ ضریر وصف لا علم.
.« ثنویاً » : 2 . کذا فی المصدر ویحتمل أن تکون الکلمۀ تحریف
.8/ 3 . المغنی للقاضی عبد الجبار: 4
4 . ترجمه ابن سعد فی الطبقات الکبري و قال: یکنّی أبا محمد، و کان من ظرفاء بنی هاشم وأهل العقل منهم و کان یقدم علی أخیه
( 263 ) .(5/ أبی هاشم فی الفضل والهیئۀ، توفّی فی خلافۀ عمر بن عبد العزیز، ولم یکن له عقب.(الطبقات الکبري: 328
الهویۀ افترض أنّه ینکر العلم الأزلی، لیستریح من عواقب الجبر، فردّ علیه مثبتاً لعلمه القدیم، وخرج بالجبر الشدید الذي ربما لا یقع
موقع القبول حتی لدي بعض الطوائف الجبریۀ کالأشاعرة. ولأجل إیقاف القارئ علی الحالۀ الحرجۀ التی کان المسلمون یعانون منها،
ننشر نص رسالۀ عمر بن عبد العزیز فإنّها تغنی عن الرسالۀ المنسوبۀ إلی حفید الإمام، إذ هما تتحدان م آلًا ونهایۀ، ونردفها بنشر رسالۀ
الحسن البصري التی تقع منها علی جانب النقیض. غیر أنّا نقدم فی المقام الخطبۀ المرویۀ عن الإمام علی علیه السَّلام حول القضاء
والقدر، ثمّ نردفها بکتاب لابنه الحسن علیه السَّلام إلی الحسن البصري عند ما سأله عن القدر. وإلیک الخطبۀ:
1. خطبۀ الإمام أمیر المؤمنین علیه السَّلام
1. خطبۀ الإمام أمیر المؤمنین علیه السَّلام
روي الکلینی عن علی بن محمد، عن سهل بن زیاد مرفوعاً قال: کان أمیر المؤمنین علیه السَّلام جالساً بالکوفۀ بعد منصرفه من
صفین إذ أقبل شیخ فجثا بین یدیه( 1)، ثمّ قال له:یا أمیر المؤمنین أخبرنا عن مسیرنا إلی أهل الشام أبقضاء من اللّه وقدر؟ فقال أمیر
أجل یا شیخ ما علوتم تلعۀ( 2) ولا هبطتم بطن واد إلاّبقضاء من اللّه وقدر. فقال له الشیخ: عند اللّه أحتسب » : المؤمنین علیه السَّلام
مه یا شیخ! فواللّه لقد عظّم اللّه الأجر فی مسیرکم وأنتم سائرون، وفی مقامکم وأنتم مقیمون، » : عنائی( 3) یا أمیر المؤمنین؟ فقال له
فقال له الشیخ: وکیف لم نکن فی .« وفی منصرفکم وأنتم منصرفون، ولم تکونوا فی شیء من حالاتکم مکرهین ولا إلیه مضطرین
وتظن أنّه کان قضاء حتماً » : شیء من حالاتنا مکرهین ولا إلیه مضطرین، وکان بالقضاء والقدر مسیرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟ فقال له
وقدراً لازماً؟ إنّه لو کان کذلک لبطل الثواب والعقاب، والأمر والنهی والزجر من اللّه، وسقط معنی الوعد والوعید، فلم تکن لائمۀ
للمذنب، ولا
1 . جثا یجثوا جثواً وجثیاً بضمهما: جلس علی رکبتیه وأقام علی أطراف أصابعه.
2 . والتلعۀ ما ارتفع من الأرض.
( 3 . أي منه أطلب أجر مشقتی. ( 265
محمدة للمحسن، ولکان المذنب أولی بالإحسان من المحسن، ولکان المحسن أولی بالعقوبۀ من المذنب، تلک مقالۀ إخوان عبدة
الأوثان وخصماء الرحمن وحزب الشیطان وقدریۀ هذه الأُمّۀ ومجوسها. إنّ اللّه تبارك وتعالی کلّف تخییراً، ونهی تحذیراً، وأعطی
علی القلیل کثیراً، ولم یعص مغلوباً، ولم یطع مکرهاً، ولم یملک مفوضاً، ولم یخلق السماوات والأرض وما بینهما باطلًا، ولم یبعث
صفحۀ 113 من 154
فأنشأ الشیخ یقول: أنت الإمام الذي نرجو بطاعته .« النبیین مبشرین ومنذرین عبثاً، ذلک ظن الذین کفروا فویل للذین کفروا من النار
* یوم النجاة من الرحمن غفراناً أوضحت من أمرنا ماکان ملتبساً * جزاك ربّک بالإحسان إحساناً ( 1) وقال الرضی: ومن کلام
له علیه السَّلام للسائل الشامی لما سأله: أکان مسیرنا إلی الشام بقضاء من اللّه وقدر؟ بعد کلام طویل هذا مختاره: ویحک! لعلک
ظننت قضاء لازماً، وقدراً حاتماً! ولو کان ذلک کذلک لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعید. وإنّ اللّه سبحانه أمر عباده
تخییراً، ونهاهم تحذیراً، وکلّف یسیراً، ولم یکلّف عسیراً، وأعطی علی القلیل کثیراً، ولم یعص مغلوباً، ولم یطع مکرهاً،ولم یرسل
الأنبیاء لعباً، ولم ینزل الکتاب للعباد عبثاً، ولا خلق السماوات والأرض وما بینهما باطلًا: (ذلِکَ ظَنُّالّذِینَ کفَروا فَوَیلٌ لِلّذینَ کَفَرُوا مِنَ
3) روي هذا النصّ من الإمام مشایخ الحدیث فی القرن الثالث والرابع منهم: 1. ثقۀ الإسلام الکلینی ( حوالی 250 329 ه) ). ( النّار)( 2
ج 1، ص 155 بسند مرفوع. 2. الصدوق ( 306 381 ه) فی توحیده ص 273 ، و فی عیون أخبار الرضا ، ج 1، ص « الکافی » فی جامعه
138 بأسانید ثلاثۀ.
1 156 ، کتاب التوحید باب الجبر والقدر. / 1 . الکافی: 155
. 2 . ص : 27
( 266 ) . 3 . نهج البلاغۀ: قسم الحکم الرقم 78
3. أبو محمد الحسن بن علی الحسینی بن شعبۀ الحرّانی الذي یروي عن أبی علی محمد بن الهمام الإسکافی الذي (توفّی عام 336 ه)
5. محمد الرضی جامع . ص 40 « العیون والمحاسن » فالرجل من أعلام أواسط القرن الرابع. 4. الشیخ المفید( 336 413 ه) فی کتابه
ص 169 . وهؤلاء أساتذة الحدیث « کنز الفوائد » نهج البلاغۀ ( 359 406 ه). 6. محمد بن علی الکراجکی (المتوفّی 449 ه) فی کتابه
عند الشیعۀ لا یمتون للاعتزال ولا للمعتزلۀ بصلۀ، بل یصارعونهم فی کثیر من المسائل والمبادئ، ولبعضهم ردود علی المعتزلۀ فی
بعض المجالات، کما ستوافیک أسماؤها فی الجزء الثالث من هذه الموسوعۀ عند البحث عن عقائد المعتزلۀ، وبعد هذا لا یصحّ تقوّل
بعض المتحذلقین کالدکتور علی سامی النشار حیث رأي أنّ هذا النصّ موضوع علی لسان علی علیه السَّلام ببراعۀ نادرة یري فیه
محاکاة ممتازة بأسلوب علی علیه السَّلام بحجۀ أنّه ورد فیه جمیع المصطلحات المعتزلیۀ.( 1) یلاحظ علیه: أنّ الکاتب لم یتحمّل
جهد التتبّع حتی یقف علی مصادر الحدیث فی کتب الشیعۀ فی القرن الثالث والرابع فألقی الکلام علی عواهنه فحکم بوضع النصّ،
وقد عرفت وجوده فی کتب الشیعۀ الذین کانوا هم والمعتزلۀ متصارعین وأمّا ما تمسّک به من وجود مصطلحات المعتزلۀ فی الکلام
فهو ناشئ عن عدم إلمام الرجل بتاریخ تکوّن المعتزلۀ فإنّهم أخذوا أکثر مبادئهم من خطب الإمام علی علیه السَّلام فی التوحید
وهو أخذ عقائده عن أبیه ،« محمد بن الحنفیۀ » ولد « أبی هاشم » مؤسس المنهج تتلمذ علی ید « عطاء بن واصل » والعدل، مضافاً إلی أنّ
وهو عن علی علیه السَّلام ، و هذا شیء قطعی فی التاریخ، ولا ینکره إلاّ المتعصّب وهو
( 267 ) .1/ 1 . نشأة الفکر الفلسفی فی الإسلام: 412
ممّا تعترف به أئمّۀ الاعتزال، کما سیوافیک نصوصهم فی الجزء الثالث إن شاءاللّه. إنّ مسألۀ القضاء والقدر و کون الإنسان مخیّراً أو
مسیّراً لیست من المسائل التی طرحتها المعتزلۀ بل من المسائل القدیمۀ التی کانت مطروحۀ عند جمیع الأُمم، و قد عرفت عقیدة
المشرکین المعاصرین للنبی الأکرم صلَّی الله علیه وآله وسلَّم کما عرفت بعض الأحادیث المرویۀ عن الخلفاء حول القدر والجبر،
فلو کان وجود تلک المصطلحات شاهداً علی وضع النص، فلیکن ذلک شاهداً علی کون أحادیث القدر بأجمعها موضوعۀ لاشتمالها
علی مصطلحات لم تکن موجودة فی عصر الرسول الأکرم صلَّی الله علیه وآله وسلَّم . والعجب العجاب أنّ الدکتور ینکر النص
ولکنّه یصحح روایات أبی هریرة ویقول: وقد أکثر حقاً من روایات الحدیث لکثرة ملازمۀ الرسول.( 1) ولا أظن أنَّ من درس تاریخ
حیاة أبی هریرة یوافق الدکتور فی هذا الرأي، فإنّه أسلم بعد خیبر وما أدرك من حیاة الرسول إلاّسنتین وبضعۀ أشهر، ومع ذلک
فهوأکثر الصحابۀ حدیثاً!! فیفوق عدد أحادیثه أحادیث عائشۀ وعلی علیه السَّلام مع أنّ علیّاً علیه السَّلام عاش فی کنف النبی
صفحۀ 114 من 154
صلَّی الله علیه وآله وسلَّم من لدن ولادته إلی أن لبّی الرسول دعوة ربّه، فمرویات الإمام فی الصحاح والمسانید حوالی خمسمائۀ
حدیثاً و مرویات أبی هریرة تناهز خمسۀ آلاف حدیث!!
( 268 ) .1/ 1 . المصدر السابق: 285
2. کتاب الحسن السبط علیه السَّلام
2. کتاب الحسن السبط علیه السَّلام إلی الحسن البصري
کتب الحسن بن أبی الحسن البصري( 1) إلی أبی محمد الحسن بن علی علیهما السَّلام : أما بعد فإنّکم معشر بنی هاشم الفلک
الجاریۀ فی اللجج الغامرة والأعلام النیرة الشاهرة أو کسفینۀ نوح علیه السَّلام التی نزلها المؤمنون ونجا فیها المسلمون، کتبت إلیک
یابن رسول اللّه عند اختلافنا فی القدر وحیرتنا فی الاستطاعۀ، فأخبرنا بالذي علیه رأیک ورأي آبائک علیهم السَّلام . فإنّ من
علماللّه علمکم وأنتم شهداء علی الناس واللّه الشاهد علیکم، ذرّیۀ بعضها من بعض، واللّه سمیع علیم. فأجابه الحسن علیه السَّلام :
بسم اللّه الرحمن الرّحیم وصل إلی کتابک، ولولا ما ذکرته من حیرتک وحیرة من مضی قبلک إذاً ما أخبرتک، أمّا بعد: فمن لم »
یؤمن بالقدر خیره وشره، [و]أنّ اللّه یعلمه فقد کفر، ومن أحال المعاصی علی اللّه فقد فجر، إنّ اللّه لم یطع مکرهاً ولم یعص مغلوباً
ولم یهمل العباد سدي من المملکۀ، بل هو المالک لما ملکهم والقادر علی ما علیه أقدرهم، بل أمرهم تخییراً، ونهاهم تحذیراً، فإن
ائتمروا بالطاعۀ لم یجدوا عنها صاداً، وإن انتهوا إلی معصیۀ فشاء أن یمن علیهم بأن یحول بینهم وبینها فعل، وإن لم یفعل

1 . هو الحسن بن یسار، مولی زید بن ثابت، أخو سعید وعمارة، المعروف بالحسن البصري، مات سنۀ 110 ه وله تسع وثمانون سنۀ. (
( 269
فلیس هو الذي حملهم علیها جبراً ولا أُلزموها کرهاً، بل منّ علیهم بأن ب ّ ص رهم وعرّفهم وحذّرهم وأمرهم ونهاهم لا جبلًا لهم علی ما
أمرهم به فیکونوا کالملائکۀ، ولا جبراً لهم علی ما نهاهم عنه وللّه الحجّ ۀ البالغۀ، فلو شاء لهداکم أجمعین، والسلام علی من اتّبع
1) ).« الهدي
10 نقلًا عن کتاب العدد القویۀ لدفع المخاوف الیومیۀ تألیف الشیخ الفقیه / 1 . تحف العقول: 231 ;ورواه المجلسی فی البحار: 136
رضی الدین علی بن یوسف بن المطهّر الحلّی ;وأیضاً رواه الکراجکی فی کنز الفوائد: 170 الطبعۀ الأُولی، بأدنی اختلاف فی اللفظ. (
( 270
3. رسالۀ عمر بن عبد العزیز
( 3. رسالۀ عمر بن عبد العزیز فی الرد علی القدریۀ( 1
حدثنا أبو حامد بن جبلۀ، ثنا محمد بن إسحاق السراج، ثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام، ثنا محمد بن بکر البرسانی، ثنا سلیم بن نفیع
القرشی، عن خلف أبی الفضل القرشی، عن کتاب عمر بن عبد العزیز: 1. إلی النفر الذین کتبوا إلیّ بما لم یکن لهم بحق فی ردّ
کتاب اللّه، وتکذیبهم بأقداره النافذة فی علمه السابق الذي لا حدّ له إلاّ اللّه ولیس لشیء مخرج منه، وطعنهم فی دین اللّه و سنّۀ رسوله
القائمۀ فی أُمّته. 2. أمّا بعد، فإنّکم کتبتم إلیّ بما کنتم تستترون فیه قبل الیوم فی ردّعلم اللّه والخروج منه إلی ما کان رسول اللّه
صلَّی الله علیه وآله وسلَّم یتخوّفه علی أُمّته من التکذیب بالقدر. 3. وقد علمتم أنَّ أهل السنّۀ کانوا یقولون: الاعتصام بالسنّۀ نجاة،
إنّه لا عذر لأحد عند اللّه بعد البیّنۀ بضلالۀ رکبها حسبها » : وسینقص العلم نقصاً سریعاً، وقول عمر بن الخطاب وهو یعظ الناس
هدي،ولا فی هدي ترکه
صفحۀ 115 من 154
المعهد » 5/346 353 فی ترجمۀ عمر بن عبد العزیز. ونحن ننقلها عمّا نشره : « حلیۀ الأولیاء » 1 . نقلها أبو نعیم الإصبهانی فی کتابه
( عام النشر 1977 م. ( 271 « بدایات علم الکلام » تحت عنوان « الألمانی للأبحاث الشرقیۀ
فمن رغب عن أنباء النبوة وما جاء به الکتاب تقطعت من یدیه أسباب « حسبه ضلالۀ. قد تبیّنت الأُمور وثبتت الحجۀ وانقطع العذر
الهدي ولم یجد له عصمۀ ینجو بها من الردي. 4. وإنّکم ذکرتم أنّه بلغکم أنّی أقول: إنّ اللّه قد علم ما العباد عاملون وإلی ما هم
صائرون، فأنکرتم ذلک علیّ وقلتم: إنّه لیس یکون ذلک من اللّه فی علم حتی یکون ذلک من الخلق عملاً. 5. فکیف ذاك کما
قلتم؟! واللّه یقول:(إِنّا کاشِفُوا العَذابِ قَلیلًا إِنَّکُمْ عائِدُون) ( 1) یعنی العائدین فی الکفر وقال: (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ
6. فزعمتم بجهلکم فی قول اللّه: (فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِن وَمَنْ شاءَ فَلْیَکْفُر) ( 3) أنّ المشیئۀ فی أي ذلک أحببتم، إلیکم من ( لَکاذِبُون) .( 2
ضلالۀ أو هدي. 7. واللّه یقول: (وَما تَشاءُونَ إِلاّأَنْ یَشاء اللّهُ ربُّ العالمینَ) ( 4)، فبمشیئۀ اللّه لهم شاءوا، لو لم یشأ لم ینالوا بمشیئتهم
من طاعته شیئاً، قولًا ولا عملًا، لأنّ اللّه لم یملّک العباد ما بیده و لم یفوّض إلیهم ما یمنعه من رسله. فقد حرصت الرسل علی هدي
الناس جمیعاً، فما اهتدي منهم إلاّمن هداه اللّه ;ولقد حرص إبلیس علی ضلالتهم جمیعاً، فما ضلّ منهم إلاّمن کان فی علم اللّه ضالًا.
8. وزعمتم بجهلکم أنّ علم اللّه لیس بالذي یضطر العباد إلی ما عملوا من معصیته ولا بالذي یصدّهم عمّا ترکوا من طاعته، ولکنّه
بزعمکم کما علم أنّهم سیعملون بمعصیته، کذلک علم أنّهم سیستطیعون ترکها. 9. فجعلتم علم اللّه لغواً، تقولون: لو شاء العبد لعمل
بطاعۀ اللّه وإن کان فی علم اللّه أنّه غیر عامل بها، ولو شاء ترك معصیته وإن کان فی علم
. 1 . الدخان: 15
. 2 . الأنعام: 28
. 3 . الکهف: 29
( 272 ) . 4 . التکویر: 29
اللّه أنّه غیر تارك لها، فأنتم إذا شئتم أصبتموه وکان علماً، وإذا شئتم رددتموه وکان جهلًا، وإن شئتم أحدثتم من أنفسکم علماً لیس
إنّ اللّه لم یجعل فضله ورحمته هملًا » : فی علم اللّه، وقطعتم به علم اللّه عنکم، وهذا ما کان ابن عباس یعده للتوحید نقضاً، وکان یقول
فأنتم تقرّون بالعلم فی أمر وتنقضونه فی آخر، واللّه یقول: « بغیر قسم ولا احتظار، ولم یبعث رسله بإبطال ما کان فی سابق علمه
(...یَعْلَمُ ما بَیْنَ أَیدیهِمْ وَما خَلفَهُمْ وَلا یُحیطُونَ بِشَ یء مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ...) .( 1) فالخلق صائرون إلی علم اللّه ونازلون علیه ولیس
بینه شیء هو کائن حجاب یحجبه عنه ولا یحول دونه، إنّه علیم حکیم. 10 . وقلتم: لو شاء لم یعذب بعمل. 11 . بغیر ما أخبر اللّه فی
کتابه عن قوم(وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِکَ هُمْ لَها عامِلُون) ( 2) وأنّه سیمتعهم قلیلًا(ثُمَّ یَمَسُّهُمْ مِنّا عَذَابٌ ألِیمٌ) ( 3)، فأخبر أنّهم عاملون
قبل أن یعملوا وأخبر أنّه معذّبهم قبل أن یخلقوا. 12 . وتقولون أنتم إنّهم لو شاءوا خرجوا من علم اللّه فی عذابهم إلی ما لم یعلم من
رحمته لهم. 13 .ومن زعم ذلک فقد عادي کتاب اللّه بالرد. ولقد سمّی اللّه رجالًا من الرسل بأسمائهم وأعمالهم فی سابق علمه، فما
استطاع آباؤهم لتلک الأسماء تغییراً، وما استطاع إبلیس بما سبق لهم فی علمه من الفضل تبدیلًا، فقال: (وَاذْکُر عِبادَنا إِبْراهیمَ وَإِسْحاقَ
وَیَعْقُوبَ أُولِی الأیدِي وَالَأبصار* إِنّا أَخلَصْ ناهُمْ بِخالِصۀ ذِکري الدّار) ( 4) فاللّه أعزّ فی قدرته وأمنع من أن یملک أحداً إبطال علمه
فی شیء من ذلک، فهو المسمّی لهم بوحیه الذي (لا یَأْتیهِ
. 1 . البقرة: 255
. 2 . المؤمنون: 63
. 3 . هود: 48
273 ) الباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیهِ وَلا مِنْ خَلْفِه)( 1) أو أن یشرك فی خلقه أحداً، أو أن یدخل فی رحمته من قد أخرجه ) . 4 . ص: 45 46
منها، أو أن یخرج منها من قد أدخله فیها. ولقد أعظم باللّه الجهل من زعم أنّ العلم کان بعد الخلق، بل لم یزل اللّه وحده بکلّ شیء
صفحۀ 116 من 154
علیماً وعلی کلّ شیء شهیداً قبل أن یخلق شیئاً، وبعد ما خلق لم ینقص علمه فی بدئهم ولم یزد بعد أعمالهم، ولا تغیر بالجوائح التی
قطع بها دابر ظلمهم، ولم یملک إبلیس هدي نفسه ولا ضلالۀ غیره.وقد أردتم بقذف مقالتکم إبطال علم اللّه فی خلقه وإهمال عبادته،
وکتاب اللّه قائم بنقض بدعتکم وإفراط قذفکم. ولقد علمتم أنّ اللّه بعث رسوله والناس یومئذ أهل الشرك، فمن أراد اللّه له الهدي
لم تحل ضلالته الّتی کان فیها دون إرادة اللّه له، ومن لم یرد اللّه له الهدي ترکه فی الکفر ضالًا فکانت ضلالته أولی به من هداه.
14 . فزعمتم أنّ اللّه أثبت فی قلوبکم الطاعۀ والمعصیۀ، فعملتم بقدرتکم بطاعته وترکتم بقدرتکم معصیته، وإنّ اللّه خلو من أن یکون
یختص أحداً برحمته أو یحجز أحداً عن معصیته. 15 . وزعمتم أنّ الشیء الذي یقدر إنّما هو عندکم الیسر والرخاء والنعمۀ وأخرجتم
منه الأعمال. 16 . وأنکرتم أن یکون سبق لأحد من اللّه ضلالۀ أو هدي أو أنّکم الذین هدیتم أنفسکم من دون اللّه، وأنّکم الذین
حجزتموها عن المعصیۀ بغیر قوة من اللّه ولا إذن منه. 17 . فمن زعم ذلک فقد غلا فی القول، لأنّه لو کان شیء لم یسبق فی علم اللّه
وقدره لکان للّه فی ملکه شریک ینفذ مشیئته فی الخلق من دون اللّه واللّه یقول: (حَبَِّّبَ إلَیْکُمُ الإیمانَ وَ زَیَّنَهُ فِی قُلُوبِکُم) ( 2) وهم له
قبل ذلک کارهون (وَ کَرَّهَ إلَیْکُمُ الْکُفْرَ والفُسُوقَ والعِصْ یانَ)( 3) وهم له قبل ذلک محبون وما کانوا علی شیء من ذلک لأنفسهم
بقادرین. ثمّ أخبرنا بما سبق لمحمّد صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
. 1 . فصلت: 42
. 2 . الحجرات: 7
( 274 ) . 3 . الحجرات: 7
من الصلاة علیه والمغفرة له ولأصحابه فقال: (أَشِدّاءُ عَلَی الکُفّارِ رَُُحماءُ بَیْنَهُمْ) ( 1) وقال: (لِیَغْفِرَ لَکَ اللّهُ مَا تَقَدَّّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَما تَأَخَّرَ)
2)، فکرماً غفرها اللّه له قبل أن یعملها ثمّ أخبرنا بما هم عاملون قبل أن یعملوا وقال: (تَراهُمْ رُکّعاً سُجّداً یَبْتَغُونَ فَضلًا مِنَ اللّهِ )
وَرِضْواناً) ( 3). فضلًا سبق لهم من اللّه قبل أن یخلقوا ورضواناً عنهم قبل أن یؤمنوا. 18 . وتقولون أنتم إنّهم قد کانوا ملکوا ردّ ماأخبر
اللّه عنهم أنّهم عاملون وإنّ إلیهم أن یقیموا علی کفرهم مع قوله، فیکون الذي أرادوا لأنفسهم من الکفر مفعولًا ولا یکون لوحی اللّه
،( فیما اختار تصدیقاً. 19 . بل (فللّهِ الحُجَّۀُ البالِغَۀُ) ( 4) و (هی) فی قوله: ه(لولا کِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّکُمْ فِیما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ) ( 5
فسبق لهم العفو من اللّه فیما أخذوا قبل أن یؤذن لهم. 20 . وقلتم: لو شاءوا خرجوا من علم اللّه فی عفوه عنهم إلی ما لم یعلم من
ترکهم لما أخذوا. 21 . فمن زعم ذلک فقد غلا و کذب، و لقد ذکر بشراً کثیراً هم یومئذ فی أصلاب الرجال وأرحام النساء
فقال:(وَآخرِینَ مِنْهُمْ لمّا یَلْحَقُوا بِهِم) ( 6)، (والّذِینَ جاءُوا مِنْ بَعْدِهِم یَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا وَلإخوانِنَا الّذِین سَبَقُونا بالإِیمان)( 7)، فسبقت
لهم الرحمۀ من اللّه قبل أن یخلقوا والدعاء لهم بالمغفرة ممّن لم یسبقهم بالإیمان من قبل أن یدعوا.
. 1 . الفتح: 29
. 2 . الفتح: 2
. 3 . الفتح: 29
. 4 . الأنعام: 149
. 5 . الأنفال: 68
. 6 . الجمعۀ: 3
( 275 ) . 7 . الحشر: 10
22 . ولقد علم العالمون باللّه أنّ اللّه لا یشاء أمراً فیحول مشیئته غیره دون بلاغ ما شاء، ولقد شاء لقوم الهدي فلم یضلّهم أحد وشاء
إبلیس لقوم الضلالۀ فاهتدوا. فقال لموسی وأخیه: (اذْهَبا إِلی فِرْعَونَ إِنّهُ طَغی* فَقُولا لَهُ قَولًا لَیّناً لَعَلَّهُ یَتَذَکّرُ أَوْ یَخْشَی)( 1)، وموسی فی
23 . فتقولون أنتم: لو ( سابق علمه أنّه یکون لفرعون عدواً وحزناً فقال: (ونُرِيَ فِرعونَ وهامانَ وجُنُودَهُما مِنهُم ما کانُوا یَحْ ذَرُونَ) .( 2
صفحۀ 117 من 154
شاء فرعون کان لموسی ولیاً وناصراً، واللّه یقول:( لَیکونَ لَهُمْ عَدُواً وحَزَناً) ( 3). وقلتم: لو شاء فرعون لامتنع من الغرق واللّه
یقول:(إِنّهُمْ جُنْدٌ مُغرَقُونَ) ( 4). فثبت ذلک عنده فی وحیه فی ذکر الأوّلین، کما قال فی سابق علمه لآدم قبل أن یخلقه: (إِنّی جاعِلٌ
( فِی الَأرْضِ خَلِیفَۀ) ( 5) فصار إلی ذلک بالمعصیۀ التی ابتلی بها، وکما کان إبلیس فی سابق علمه أنّه سیکون (مَذْمُوماً مَدْحُوراً) ( 6
وصار إلی ذلک بما ابتلی به من السجود لآدم فأبی، فتلقی آدم بالتوبۀ فرحم و تلقی إبلیس باللعنۀ فغوي، ثمّ أهبط آدم إلی ما خلق له
من الأرض مرحوماً متوباً علیه، وأهبط إبلیس بنظرته مدحوراً مسخوطاً علیه. 24 . وقلتم أنتم: إنّ إبلیس وأولیاءه من الجنّ قد کانوا
ملکوا ردّ علم اللّه والخروج من قسمه الذي أقسم به إذ قال: (فَالحَقُّ وَالحَقَّ أقُولُ* لَأمْْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنْکَ وَ ممّنْ تَبِعَکَ مِنْهُمْ أَجْمَعِینَ)
7)حتّی لا ینفذ له علم إلاّ بعد مشیئتهم. )
. 1 . طه: 43 44
. 2 . القصص: 6
. 3 . القصص: 8
. 4 . الدخان: 24
. 5 . البقرة: 30
. 6 . الإسراء: 18
( 276 ) . 7 . ص: 84 85
25 . فماذا تریدون بهلکۀ أنفسکم فی ردّ علم اللّه؟ فإنّ اللّه جلّوعلا لم یشهدکم خلق أنفسکم، وکیف یحیط جهلکم بعلمه؟ وعلم اللّه
لیس بمقصر عن شیء هو کائن، ولا یسبق علمه فی شیء فیقدر أحد علی ردّه. ولو کنتم تنتقلون فی کلّ ساعۀ من شیء إلی شیء هو
کائن، لکانت مواقعکم عنده. ولقد علمت الملائکۀ قبل خلق آدم ما هو کائن من العباد فی الأرض(من الفساد) وسفک الدماء فیها،
وما کان لهم فی الغیب من علم، فکان فی علم اللّه الفساد وسفک الدماء، وما قالوه تخرصاً إلاّ بتعلیم العلیم الحکیم لهم فظن ذلک
منهم، وأنطقهم به. 26 . فأنکرتم أنّ اللّه أزاغ قوماً قبل أن یزیغوا وأضلّ قوماً قبل أن یضلّوا. 27 . وهذا ممّا لا یشک فیه المؤمنون باللّه:
إنّ اللّه قد عرف قبل أن یخلق العباد مؤمنهم من کافرهم وبرهم من فاجرهم. وکیف یستطیع عبد هو عند اللّه مؤمن أن یکون کافراً أو
هو عند اللّه کافر أن یکون مؤمناً؟ واللّه یقول: (أو مَنْ کانَ مَیْتاً فأحْیَیناهُ وجَعَلْنا لَهُ نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النّاسِ کَمَنْ مَثَلُهُ فِی الظُّلُماتِ لَیْسَ
( من بعد الهدي(عِجْلًا جَسَداً) ( 2 « اتّخذوا » بِخارِج مِنْها) ( 1). فهو فی الضلالۀ لیس بخارج منها أبداً إلاّ بإذن اللّه. 28 . ثمّ آخرون
فضلّوا به، فعفا عنهم لعلّهم یشکرون،فصاروا (مِنْ قَوْمِ مُوسی أُمّۀٌ یَهْدُونَ بِالحَقِّ وبِهِ یَعْدِلُونَ) ( 3) وصاروا إلی ما سبق لهم. ثمّ ضلّت
ثمود بعد الهدي فلم یعف عنهم ولم یرحموا، فصاروا فی علمه إلی (صَیْحَۀً واحِدَةً فَإذا هُمْ خامِدُونَ )( 4)، فنفذوا إلی ما سبق لهم، لأنّ
صالحاً رسولهم وأنّ الناقۀ (فِتْنَۀً لَهُمْ) ( 5) وأنّه ممیتهم کفّاراً، فعقروها.
. 1 . لأنعام: 122
. 2 . الأعراف: 148
. 3 . الأعراف: 159
. 4 . یس: 29
( 277 ) . 5 . القمر: 27
29 . وکان إبلیس فیما کانت فیه الملائکۀ من التسبیح والعبادة فابتلی فعصی فلم یرحم، وابتلی آدم فعصی فرحم. وهمّ آدم بالخطیئۀ
فنسی، وهمّ یوسف بالخطیئۀ فعصم، فأین کانت الاستطاعۀ عند ذلک؟ هل کانت تغنی شیئاً فیما کان من ذلک حتی لا یکون، أو
تغنی فیما لم یکن حتی یکون، فنعرف لکم بذلک حجّ ۀ؟ بل اللّه أعزّممّا تصفون وأقدر. 30 . وأنکرتم أن یکون سبق لأحد من اللّه
صفحۀ 118 من 154
ضلالۀ أو هدي، وإنّما علمه بزعمکم حافظ وإنّ المشیئۀ فی الأعمال إلیکم، إن شئتم أحببتم الإیمان فکنتم من أهل الجنۀ. ثمّ جعلتم
بجهلکم حدیث رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم الذي جاء به أهل السنّۀ و هو مصدق للکتاب المنزل أنّه من ذنب مُضاه
أرأیت ما نعمل أشیء قد فرغ منه أم شیء تأتنفه؟ فقال علیه » : ذنباًخبیثاً، فی قول النبی صلَّی الله علیه وآله وسلَّم حین سأله عمر
فطعنتم بالتکذیب له ، و تعلیم من اللّه فی علمه إذ قلتم: إن کنّا لا نستطیع الخروج منه فهو الجبر. .« بل شیء قد فرغ منه » : السَّلام
والجبر عندکم الحیف. 31 . فسمّیتم نفاذ علم اللّه فی الخلق حیفاً. 32 . وقد جاء الخبر أنّ اللّه خلق آدم فنثر ذریّته فی یده فکتب أهل
الجنّۀ وما هم عاملون، وکتب أهل النار وما هم عاملون. وقال سهل بن حنیف یوم صفین : أیّها الناس، اتهموا رأیکم علی دینکم،
فوالذي نفسی بیده، لقد رأیتنا یوم أبی جندل ولو نستطیع رد أمر رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم لرددناه. واللّه ما وضعنا سیوفنا
علی عواتقنا إلاّأسهلت بنا علی أمر نعرفه قبل أمرکم هذا. 33 . ثمّ أنتم بجهلکم قد أظهرتم دعوة حقّ علی تأویل باطل تدعون الناس
إلی ردّ علم اللّه فقلتم: الحسنۀ من اللّه والسیّئۀ من أنفسنا ;وقال أئمّتکم وهم أهل السنّۀ:الحسنۀ من اللّه فی قدر سبق، والسیّئۀ من أنفسنا
( فی علم قد سبق. 34 . فقلتم: لا یکون ذلک حتّی یکون بدؤها من أنفسنا کما بدء السیّئۀ من أنفسنا. ( 278
35 . وهذا رد الکتاب منکم ونقض الدین، وقد قال ابن عباس رضی اللّه عنه حین نجم القول فی القدر: هذا أوّل شرك هذه الأُمّۀ،
واللّه، ما ینتهی بهم سوء رأیهم حتّی یخرجوا اللّه من أن یکون قدر خیراً کما أخرجوه من أن یکون قدر شراً. 36 . أنتم تزعمون
بجهلکم أنّ من کان فی علم اللّه ضالًا فاهتدي، فهو بما ملک ذلک حتّی کان فی هداه ما لم یکن اللّه علمه فیه، وأنّ من شرح صدره
للإسلام فهو ممّا فوض إلیه قبل أن یشرحه اللّه له، وأنّه إن کان مؤمناً فکفر فهو ممّا شاء لنفسه وملک من ذلک لها وکانت مشیئته فی
کفره أنفذ من مشیئۀ اللّه فی إیمانه. 37 . بل أشهد أنّه من عمل حسنۀ فبغیر معونۀ کانت من نفسه علیها، وأنّ من عمل سیئۀ فبغیر حجّۀ
. کانت له فیها وأنّ الفضل بید اللّه یؤتیه من یشاء وأنّ اللّه لو أراد أن یهدي الناس جمیعاً لنفذ أمره فیمن ضلّ حتّی یکون مهتدیاً. 38
. فقلتم: بمشیئته شاء لکم تفویض الحسنۀ إلیکم وتفویض السیئۀ، ألقی عنکم سابق علمه فی أعمالکم وجعل مشیئته تبعاً لمشیئتکم. 39
ویحکم، فواللّه، ما أمضی لبنی إسرائیل مشیئتهم حین أبوا أن یأخذوا ما آتاهم بقوّة حتی نتق(الجَبَلَ فَوْقَهُم کَأنّهُ ظُلَّۀ) ( 1). فهل رأیتموه
أمضی مشیئۀ لمن کان قبلکم فی ضلالته حین أراد هداه حتی صار إلی أن أدخله بالسیف فی الإسلام کرهاً بموقع علمه بذلک فیه؟
أم هل أمضی لقوم یونس مشیئتهم حین أبوا أن یؤمنوا حتی أظلَّهم العذاب ف آمنوا و قبل منهم، ورد علی غیرهم الإیمان فلم یقبل
منهم. وقال:(فَلَمّا رأوا بَأْسنا قالُوا آمَنّا باللّهِ وَحْدَهُ وَکَفَرنا بما کُنّا بِهِ مُشْرِکین* فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إِیمانُهُمْ لما رأَوا بَأْسَنا سُنّۀَ اللّهِ الّتی قَدْ
خَلَتْ فی عِبادهِ) ( 2) أي علم اللّه الذي قد خلا فی خلقه(وَخَسِرَ هُنالِکَ
. 1 . الأعراف: 171
279 ) الکافِرُون)( 1)وذلک کان موقعهم عنده أن یهلکوا بغیر قبول منهم، بل الهدي والضلالۀ والکفر والإیمان ) . 2 . غافر: 84 85
والخیر والشر بید اللّه یهدي من یشاء ویذر من یشاء (فی طُغیانهم یَعْمَهُون) ( 2). کذلک قال إبراهیم علیه السَّلام : (رَبِّ ... واجْنُبْنی
وَبَنِیَّ أَنْ نعبُدَ الَأصنامَ) ( 3)، قال: (رَبّنا وَاجْعَلنا مُسْلِمَیْنِ لَکَ وَمِنْ ذُرّیّتِنَا أُمّۀً مُسْلِمۀً لَک)( 4)، أي إنّ الإیمان والإسلام بیدك وإنّ عبادة
من عبد الأصنام بیدك، فأنکرتم ذلک وجعلتموه ملکاً بأیدیکم دون مشیئۀ اللّه عزّوجلّ.
40 . وقلتم فی القتل إنّه بغیر أجل. 41 . وقد سمّاه اللّه لکم فی کتابه فقال لیحیی: (وَسَلامٌ عَلیهِ یَومَ وُُلدَ ویَومَ یَمُوتُ وَیَوَم یُبْعَثُ حَیّاً)
5) فلم یمت یحیی إلاّ بالقتل، وهو موت کما مات من قتل شهیداً أو قتل خطأ کما مات بمرض أو بفجأة، کلّ ذلک موت بأجل )
استوفاه ورزق استکمله وأثر بلغه ومضجع برز إلیه، (وَ ما کانَ لِنَفْس أنْ تَمُوتَ إلاّ بِإذنِ اللّهِ کِتاباً مُؤجَّلًا) ( 6) ولا تموت نفس ولها فی
الدنیا عمر ساعۀ إلاّ بلغته ولا موضع قدم إلاّ وطئته ولا مثقال حبۀ من رزق إلاّ استکملته ولا مضجع حیث کان إلاّبرزت إلیه، یصدق
ذلک قول اللّه عزّوجلّ(قُلْ لِلّذِینَ کَفَرُوا سَتُغْلبُون و تُحْشَرُون إِلی جَهَنّم) ( 7)، فأخبر اللّه بعذابهم بالقتل فی الدنیا وفی الآخرة بالنار
وهم أحیاء بمکۀ. 42 . وتقولون أنتم: إنّهم قد کانوا ملکوا رد علم اللّه فی العذابین الذین أخبر اللّه ورسوله أنّهما نازلان بهم.
صفحۀ 119 من 154

. 1 . غافر: 85
. 2 . الأعراف: 186
. 3 . إبراهیم: 35
. 4 . البقرة: 128
. 5 . مریم: 15
. 6 . آل عمران: 145
( 280 ) . 7 . آل عمران: 12
43 . فقال: (ثانیَ عِطْفهِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللّهِ لَهُ فِی الدُّنیا خِزْيٌ) ( 1) یعنی القتل یوم بدر (ونُذِیقُهُ یَومَ القِیامَۀِ عَذابَ الحَرِیقِ) ( 2) فانظروا
بنی » : إلی ما أرادکم فیه رأیکم کتاباً سبق فی علمه بشقائکم إن لم یرحمکم. 44 . ثمّ قول رسول اللّه صلَّی الله علیه وآله وسلَّم
الإسلام علی ثلاثۀ أعمال: الجهاد ماض منذ یوم بعث اللّه رسوله إلی یوم تقوم فیه عصابۀ من المؤمنین یقاتلون الدجّال لا ینقض ذلک
جور جائر ولا عدل عادل، والثانیۀ: أهل التوحید لا تکفروهم بذنب ولا تشهدوا علیهم بشرك ولا تخرجوهم من الإسلام بعمل،
فنقضتم من الإسلام جهاده، وجرّدتم شهادتکم علی أُمّتکم بالکفر وبرئتم منهم .« والثالثۀ: المقادیر کلّها خیرها وشرها من قدر اللّه
ببدعتکم، وکذبتم بالمقادیر کلّها والآجال والأعمال والأرزاق، فما بقیت فی أیدیکم خصلۀ بنی الإسلام علیها إلاّنقضتموها وخرجتم
منها. *** هذه رسالۀ عمر بن عبد العزیز إلی بعض القدریین مجهولی الهویۀ، وقد نسب إلیهم إنکار علمه الأزلی فی أفعال العباد،
ومصائرهم، ونحن نتبرّأ ممّن ینکر علمه الوسیع المحیط بکلّ شیء، ونؤمن بما قاله سبحانه: (وَلا رَطْب وَلا یابس إِلاّ فی کِتاب مُبِین).
(3)
وقوله سبحانه: (ما أَصابَ مِنْ مُصیبَۀ فِی الَأرْضِ وَلا فِی أَنفُسِکُمْ إِلاّ فِی کتاب من قَبلِ أَنْ نَبرَأَها إِنَّ ذلکَ عَلی اللّهِ یَسیر) .( 4) ولکن
نتبرّأ من کلّ من جعل علمه السابق ذریعۀ إلی نسبۀ الجبر إلی اللّه سبحانه، ونؤمن بأنّ علمه السابق المحیط لا یکون مصدراً لکون
العباد مجبورین فی مصائرهم وأنّهم یعملون ویفعلون، ویختارون بمشیئتهم التی منحها اللّه لهم فی حیاتهم، لیهلک من هلک عن بیّنۀ،
ویحیا من حیّ عن بیّنۀ.
. 1 . الحج: 9
. 2 . الحج: 9
. 3 . الأنعام: 59
( 281 ) . 4 . الحدید: 22
فمنکر علمه السابق المحیط بکلّ شیء ضالّ مضلّ، ومن استنتج منه الجبر مثله فی الضلالۀ والغوایۀ، عصمنا اللّه جمیعاً من الزلّۀ، والعثرة
فی العلم والعمل. ولأجل أن یقف القارئ الکریم علی أنّه کان فی تلک العصور الحرجۀ رجال من أهل السنّۀ یذهبون إلی غیر ما
ذهب إلیه أصحاب السلطۀ الأمویون ننشر رسالۀ الحسن البصري فی ذلک المجال، وهی رسالۀ قیمۀ.( 1)
1 . الهدف هو نشر هذه الرسالۀ لما فیها من فائدة، ولا صلۀ له بتقییم الحسن البصري فی کلّ ما یقول أو ما یروي عنه أو ینسب إلیه،
( فإنّ لبیان ذلک مجالًا آخر. ( 282
4. رسالۀ الحسن